الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
خميس ٢٠ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. لقاءات وحوارات
  2. الإيمان الحق وصفات المؤمنين

الإيمان الحق وصفات المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام قد سمعتم عنوان المحاضرة، وهو: (الإيمان الحق وصفات المؤمنين) فهما ذات شقين: أحدهما تعريف الإيمان الحق، والثاني: تعريف صفات المؤمنين. وسأتكلم إن شاء الله على الشقين جميعًا.
أما الشق الأول: فهو الإيمان الحق:
وتعريفه: هو التصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله قولا وعملا وعقيدة، هذا هو الإيمان الحق: التصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله وبكل ما شرعه الله لعباده من قول وعمل وعقيدة، هذا هو الإيمان الحق.
ودل على ذلك آيات كثيرات من كتاب الله عز وجل منها قوله جل وعلا: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:1-5]، وقوله جل وعلا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].
فبين جل وعلا في هذه الآية الكريمة صفات المؤمنين، وبين المؤمن حقا وأنه من آمن بالله وملائكته إلى آخره، كما بين في الآيات السابقات في أول البقرة أن المتقين هم أهل الإيمان بالله واليوم الآخر، هم أهل الإيمان بالآخرة والإيمان بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، والإيمان بما أنزل على من قبله مع إقامتهم الصلاة، ومع أدائهم الزكاة ومع إيمانهم بالغيب، والإيمان بالغيب وبما أنزل الله على النبي ﷺ، وبما أنزل على الأنبياء، مع العمل هذا هو الإيمان الحق، الذي تطابق فيه القلب واللسان، وتنقاد له الجوارح هذا هو الإيمان الحق، ولهذا قال في أهله: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5].
فالمعنى أن هؤلاء قد ثبتوا على الهدى واستقروا عليه، ووفقهم الله للفلاح بإيمانهم الصادق، وعملهم الصالح وقولهم بالألسنة ما يطابق القلوب، وما تصدقه الأعمال، وهكذا قوله جل وعلا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ المعنى ولكن من البر: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ آمن بقلبه وصدق بالعمل وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا إذا عاهدوا صدقوا وهم يؤمنون قولا وعملا وعقيدة وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ هذا من عمل القلب وتصدقه الجوارح، فصبر القلب الصادق تصدقه الجوارح، ويصدقه الكلام: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ البأساء هي الفقر والحاجة، والضراء هي الأمراض والجراح، وَحِينَ الْبَأْسِ حين الحرب ولقاء الأعداء، هؤلاء المؤمنون صبر في البأساء والضراء، في الشدة والرخاء وفي حال لقاء الأعداء.
هذا من دلائل صحة الإيمان، وأن إيمانه حق ليس كإيمان المنافقين الذين يقولون بالألسنة ما ليس في القلوب ولهذا قال بعد ذلك في تمام الآية: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] هؤلاء الذين قالوا وعملوا وكذبوا بالظنون، هم أهل الصدق وهم أهل التقوى وهم أهل الإيمان، فالإيمان الحق عقيدة يصدقها اللسان، وتصدقها الجوارح وذلك هو الإيمان بالله، وبرسله وبكتبه وبالملائكة وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذه أصوله، وهذه أركانه، وهذه منازله ومبانيه كما جاء في الحديث الشريف، حديث عمر ، حين سأل جبرائيل نبينا عليه الصلاة والسلام عن الإيمان، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره[1]، وهذه الستة هي أصول الإيمان ومبانيه، وعليها مداره ويتبعها التصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله من فروع الإيمان بالله، ومن تحقيق الإيمان بالله الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، من الجنة والنار والحساب والجزاء وأخبار الرسل الماضين وما جرى عليهم وما جرى لأممهم، وما يكون يوم القيامة، إلى غير ذلك كله داخل في الإيمان، وهكذا تفاصيل الإيمان بالرسل والملائكة، واليوم الآخر كله داخل في الإيمان.
وهكذا الإيمان بالقدر يشمل أمورا أربعة: يشمل الإيمان بعلم الله بما يقع في العالم من خير وشر، ومن ظهور ممالك وسقوط أخرى، ومن آجال وأرزاق، ومن أعمال وصحة وأمراض وغير ذلك، فهو يعلم كل شيء : لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75].
الأمر الثاني: أنه كتب كل شيء ، كما قال : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].
والأمر الثالث: أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويدل على هذا آيات كثيرات كما قال جل وعلا: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، وقال : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[الأنعام:112] وقال جل وعلا: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جميعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99]، وقال : فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ۝ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر:55، 56].
والأمر الرابع: خلقه للأشياء وإيجاده لها، بمحض مشيئته وقدرته الكاملة ، وعلمه التام كما قال : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، وقال سبحانه: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3].
وهذه الأربعة: هي خلاصة الإيمان بالقدر، ومجموع قدرات الإنسان أن تؤمن بأن الله علم الأشياء كلها، من أعمال وآجال وأرزاق وغير ذلك، وكتب ذلك عنده ، وأنه سبحانه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، وأنه الخلاق العليم، ليس هناك خالق سواه .
فالإيمان بهذه الأصول الستة هو: أصل الإيمان بما جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام، من شرائع وأخبار وعلى رأسهم إمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، فالإيمان الحق والإيمان الصادق هو الإيمان بهذه الأصول الستة، والإيمان بما يلتحق بها من كل ما أخبر الله به ورسوله، مما كان وما سيكون في آخر الزمان، وفي يوم القيامة وفي الجنة والنار وغير ذلك، ويلتحق بذلك أيضًا الإيمان بكل ما شرعه الله ورسوله من أعمال وأقوال وعقائد، كله داخل في الإيمان الصادق الحق.
وهذا يوجب على العبد أن يستقيم على أمر الله، وأن يحاسب نفسه ويجاهدها لله، حتى يؤدي ما أوجب الله على بصيرة، وحتى يدع ما حرم الله على بصيرة، وحتى يصدق بكل ما أخبر الله به ورسوله عن علم وهدى وبصيرة، وهذا الإيمان الحق يزيد وينقص عند أهل السنة والجماعة، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي؛ وقد جاء في السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن كل ما أخبر الله به ورسوله، وكل ما شرعه الله يسمى إيمانا لما تقدم، من هذا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث وفد عبدالقيس في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم[2] فسمي هذه إيمانا فدل ذلك على أن الإيمان يطلق على العمل، كما يطلق على التصديق بالقول، وكما يطلق على التصديق باللسان، وجاء أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أنه قال عليه الصلاة والسلام: الإيمان بضع وستون شعبة[3]، وفي لفظ مسلم: بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[4].
فسمى جميع أعمال الدين إيمانا ومن جملتها الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، سمي ذلك إيمانا في قوله: فأفضلها قول لا إله إلا الله مع الشهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأن هاتين الشهادتين لا تغني إحداهما عن الأخرى، ولا تنفك إحداهما عن الأخرى بل لا بد منهما جميعًا، فلا إسلام ولا إيمان إلا بهما جميعًا، وجعل جميع ما شرعه الله إيمانا؟ فدل ذلك على أن الإيمان يطلق على ما يكون في القلب، وعلى ما تقوم به الجوارح، وعلى ما ينطق به اللسان مما شرعه الله ورسوله، وكذلك سمى إماطة الأذى عن الطريق إيمانا وهي من أعمال الجوارح، وسمى الحياء إيمانا وهو من أعمال القلب.
فدل ذلك على أن ما يقوم به الإنسان مما شرعه الله، وأن تصديقه بما أخبر به الله ورسوله، كله يسمى إيمانا، كما أن أعماله الشرعية من صلاة وصوم وحج، وزكاة وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، كله يسمى إيمانا، وهكذا أقواله من قراءة أو من أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، وأذكار ودعائه الله ، كل ذلك يسمى إيمانا، فالإيمان الحق هو الذي يتطابق فيه القلب واللسان والجوارح على ما شرعه الله ، وعلى ما أخبر الله به ورسوله، يسمى إيمانا.
ويسمى إيمانا حقا؛ لأنه تطابق فيه القلب واللسان، وصدقت به الجوارح، هذا هو الإيمان الحق الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب وجاء به كتاب الله القرآن الكريم، وجاءت به سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وضد ذلك الإيمان الباطل، الإيمان الكاذب، وهو الإيمان باللسان دون القلب، وهو إيمان أهل النفاق، فإنهم يقولون بالألسنة ما ليس في القلوب، وبالأفواه ما ليس في الضمائر.
هؤلاء هم أهل النفاق الذين كذبوا بقلوبهم، وصدقوا بالألسنة مجاملة ومراعاة لحاجاتهم الحاضرة، ومقاصدهم الدنيوية كما قال  في كتابه الكريم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [آل عمران:165-167] ، وقال : سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11].
هذه حال المنافقين يقولون بالأفواه ما ليس في القلوب؛ لأنهم مكذبون بقلوبهم، غير مصدقين بنبينا محمد ﷺ، وغير مؤمنين بكتاب الله ، فهم كاذبون في دعوى الإيمان، غير صادقين، ولهذا قال الله سبحانه عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ۝ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۝ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10]، وقال : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142-143] ليس عندهم إيمان، عندهم التردد، وعندهم الكذب وعندهم الشك والريب، هذه حال المنافقين، وهذا إيمانهم الكاذب الذي بينه الله عنهم جل وعلا، وأنهم يدعونه باللسان ويخالفونه بالأعمال والقلوب، فالمؤمن الصادق هو الذي آمن بالله حقا، وآمن بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، مما دل عليه كتاب الله عز وجل: من أقوال وأعمال وعقائد، وطابق ما في قلبه ما قاله لسانه، وما عملت به جوارحه، هكذا الإيمان الصادق، هكذا الإيمان الحق، الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب وعلق عليه السعادة والكرامة في الدنيا والآخرة قال جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:71، 72]
هذا هو الإيمان الصادق، وعد الله أهله بالرحمة والجنة والكرامة، وقال : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8]. في آيات كثيرات كلها تدل على وجوب الإيمان كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:136].
فالإيمان الحق يتضمن الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره كما تقدم، وتقدم أن هذه الستة هي أصول الإيمان وهي أركانه ومبانيه، ويلتحق بها ويتفرع عنها الإيمان بكل ما فرضه الله ورسوله، فإن ذلك داخل في الإيمان بالله، ويدخل في ذلك أيضًا كل ما يتعلق بأخبار الآخرة، وأخبار الجنة والنار، وأخبار الحساب والجزاء، كله داخل في الإيمان باليوم الآخر، ويتعلق بذلك أيضًا كل ما يتعلق بالقدر، وفيه قدر كل ما هو داخل في القدر، وكل ما يتعلق بالإيمان بما يكون في آخر الزمان، وما مر به الزمان، كله داخل في الإيمان بالله ، وإذا صدق المرء بلسانه وقلبه، وصدق بجوارحه فهو المؤمن حقا، وهو الإيمان الذي درج عليه صحابة النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان، وهو يزيد وينقص، يزيد بالأعمال الصالحات، من صلاة وصوم وجهاد، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وصدقات وقراءة قرآن وأذكار، ودعوة إلى الله إلى غير ذلك، وينقص بالمعاصي والمخالفات، ينقص بذلك كما قال النبي ﷺ: لا يزني الزاني حين يزني وهي مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم، حين ينتهبها وهو مؤمن[5] متفق عليه. وفي رواية لمسلم: وإن وصلى وصام وزعم أنه مسلم[6].
وهذا يدل على أن الإيمان يرتفع بهذه المعاصي الكبيرة، ويبقى أصله فقط، وأن أصله باق مع المسلم، لكن كماله وتمامه يرتفع بهذه الكبائر: كالزنا والسرقة وشرب الخمر، وأكل أموال الناس ونحو ذلك؛ لأن هذا ينافي الإيمان الواجب، ويرتفع الإيمان الواجب الذي يمنعه مما حرم الله، ومن كون إيمانه كاملا، ومن كون إيمانه الواجب حاضرا: لمنعه من هذه المعاصي، ومن هذه الكبائر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
فدل ذلك على أن الإيمان يضعف وينقص، حتى لا يمنع من الزنا، وحتى لا يمنع من شرب الخمر، وحتى لا يمنع من السرقة، وحتى لا يمنع من أكل أموال الناس، في ضعفه وما خالطه من شهوة جامحة، ورغبة في الدنيا وشهواتها، ومن موافقة النفس وهواها، على الوقوع فيما حرم الله عز وجل، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة، ليس المعنى أنه يكفر كما تقول الخوارج، لا ولكنه يرتفع منه الإيمان الكامل، ويرتفع منه الإيمان الواجب، ويبقى معه أصل الإيمان الذي كان به مسلما، فيرتفع هذا الإيمان الواجب، ويزول هذا الإيمان الواجب بما يفعل من الفواحش والمنكرات، وإذا تاب ورجع تاب الله عليه، ورجع إليه إيمانه الواجب الكامل، ويدل على هذا أنه عليه الصلاة والسلام لم يحكم على الزاني بالردة، ولا على السارق بالردة فيقتل، ولا على شارب الخمر بالردة فيقتل، فقد جاء في هذا حدود: فالزاني يرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن مائة جلدة ويغرب عاما، ولو كان الزنا ردة وكفرا لقتل؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه[7]، وهكذا السارق تقطع يده ولا يقتل، فدل ذلك على أن إسلامه باق، وأن أصل إيمانه باق، ولكنه أتى جريمة أوجبت قطع يده، تعزيرا وتنكيلا وردعا عن هذه المنكرات، وهكذا شارب الخمر لم يأمر بقتله، بل أمر أن يجلد، فدل ذلك على أن شرب الخمر لا ينافي الإيمان بالكلية، ولكن ينافي كماله وينافي الإيمان الواجب، ويبقى معه أصل الإيمان، الذي به صح إسلامه، ولهذا لم يؤمر بقتل من شرب الخمر، بل يحد حده الشرعي، وهو الجلد بأربعين جلدة، أو ثمانين جلدة، كما رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه، وتبعه أهل العلم في ذلك.
وهكذا الغاصب للأموال لا يقتل ولكن يعزر، ويؤدب ويردع بما يراه ولي الأمر: من جلد وسجن ونحو ذلك، حتى يرتدع عن أموال الناس، وهكذا المحارب الذي يحارب، ويقطع الطريق، فإنه لا يكون مرتدا إذا لم يستحل ذلك، ولكنه يكون ناقص الإيمان، وضعيف الإيمان، ويستحق أن يعاقب بما شرع الله عقوبته، من قتل وصلب وتقطيع الأيدي والأرجل، والنفي من الأرض.
وبهذا تعلم أن الإيمان الحق، وأن الإيمان الصادق، هو الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، والإيمان بكل ما شرعه الله ورسوله من قول وعمل وعقيدة، وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، كما قال أصحاب السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم بإحسان، إذا أطعنا واستقمنا زاد الإيمان، وإذا عصينا وضيعنا نقص الإيمان، كما سمعت في الدلائل، كما قال جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]. في آيات كثيرات، وقد سمعت الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الحديث.
فعلم بذلك أن الإيمان يزداد بالطاعات، وينقص بالمعاصي والمخالفات، وهو قول وعمل وعقيدة، هكذا قال أهل السنة والجماعة، وهكذا دل كتاب الله، ودلت سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قول وعمل وعقيدة، وبعبارة أخرى أنه التصديق باللسان، والعمل بالجوارح، والتصديق بالجنان، هكذا الإيمان الصادق: قول وعمل يطابقان ما في قلبك من الإيمان بالله ورسوله، ومن الإيمان بكل ما شرعه الله ورسوله، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، خلافا للخوارج والمعتزلة فإنهم قالوا: لا يزيد ولا ينقص، فإما أن يوجد مرة، وإما أن يزول كله، وعندهم الزاني والسارق ونحوهما قد خرجا من الإيمان، وصارا إلى الكفر والضلال عند الخوارج، وصارا في منزلة بين منزلتين عند المعتزلة، واتفقوا جميعًا على أنه في النار مخلد فيها كسائر الكفار، وهذا قول باطل من قول الخوارج والمعتزلة.
أما أهل السنة والجماعة فيقولون: إنه ناقص الإيمان، وإنه ضعيف الإيمان، ولم يخرج من الإيمان بالكلية، بل إيمانه ناقص، وإيمانه ضعيف، وليس من الكفار وليس مخلدا في النار، إذا فعل ذلك عن شهوة، وغلبة في هواه، لا عن تكذيب، ولا عن استحلال، فإنه يكون ضعيف الإيمان، وله حكم أهل الإسلام، وهو مؤمن بالجنة، وإن جرى عليه ما يجري من عقاب يوم القيامة، ومن تعذيب بأسباب أعماله السيئة، فإن مصيره إلى الجنة ولا يخلد في النار أبدا، وإنما يخلدون في النار الكفار بالله والمنافقين، المنافقون النفاق الأكبر، هؤلاء هم الذين يخلدون في النار، أما العصاة فمن دخلها منهم فهو مؤمن مسلم، موحد لم يستحل المعاصي وإنما فعلها لهوى وشهوة، وطمع ونحو ذلك، فهذا لا يخلد في النار، إذا دخلها فهو مؤمن ناقص الإيمان، مسلم ضعيف الإيمان، إذا دخل النار بمشيئة الله فإنه لا يخلد، وقد يعفى عنه ولا يخلد في النار؛ لأن ما دون الشرك تحت مشيئة الله : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فهو  حكم على أهل الشرك بأنه لا يغفر لهم إذا ماتوا عليه، أما العصاة فإنهم تحت مشيئة الله سبحانه، بإسلامهم وأعمالهم الصالحة، وإن شاء عذبهم على قدر جرائمهم التي ماتوا عليها غير تائبين: من زنا أو سرقة أو غير ذلك، ومآلهم بعد التطهير والتمحيص إلى الجنة، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، مثقال ذرة من إيمان، مثقال دينار من إيمان، إلى غير ذلك.
هذه النصوص المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على أن العاصي لا يخلد في النار، ولكنه يعذب إذا دخلها، يعذب بما شاء على قدر المعاصي التي مات عليها غير تائب، ثم بعد تطهيره وتنقيته من الخبث يخرجه الله من النار إلى نهر الحياة كما جاء في هذه النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وينبتون في النهر كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد أن يستتم خلقه يدخله الله الجنة برحمته .
وبهذا علمنا الإيمان الصادق الحق، وعلمنا الإيمان الكاذب، فالإيمان الصادق هو الذي فيه تطابق القلب واللسان، وتصديق الجوارح وأنه يزيد وينقص ويضعف ويقوى، وأن العصاة وإن كانوا دخلوا في الإيمان الصادق، وهم من أهله لكن العاصي ينقص إيمانه، ويضعف إيمانه بقدر معاصيه التي اقترفها، ومن أدى الواجبات وتباعد عن المحرمات؛ كمل إيمانه، ومن توسع في الطاعات والأعمال الصالحات، كان من السابقين المقربين وكانت منزلته أعلى من غيره.
وبهذا يعلم حقيقة الإيمان الصادق، وحقيقة أعمال أهله، وأنهم هم الصفوة، وهم خلاصة هذه الأمة، الذين صدقوا في اتباع الرسول ﷺ، واستقاموا على طريقه: قولا وعملا وعقيدة.
هؤلاء هم أهل الإيمان الحق، وهم أهل الإيمان الصادق، وإن جرى منهم شيء من السيئات والمعاصي، كان بذلك إيمانهم ضعيفا، وكان إيمانهم بذلك ناقصا، فعليهم أن يحققوا إيمانهم بالتوبة الصادقة، وبالرجوع إلى الله والإنابة إليه، وباتباع التوبة بالعمل الصالح، وبهذا يعود إليهم إيمانهم، وكمال إيمانهم بالتوبة الصادقة، والعمل الصالح.
أما صفات المؤمنين، فكثيرة قد أشار إليها سبحانه مجملة ومفصلة، في قوله : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] هذه من صفات أهل الإيمان التفصيلية.
أما القولية فيما بينهم: فيتحابون في الله، ينصح بعضهم بعضا، ويوالي بعضهم بعضا، لا يخذل بعضهم بعضا، ولا يفسد بعضهم بعضا، ولا يسب بعضهم بعضا، متوائمين فيما بينهم، يتحابون في الله، ويتواصون بالحق والصبر عليه، ويتعاونون على البر والتقوى، أينما كانوا لا غش ولا حقد، ولا حسد بينهم ولا غير ذلك، مما حرم الله، وإذا وجدت من نفسك أيها المسلم شيئًا من هذه المعاصي، فاعرف أن هذا نقص في إيمانك، ونقص في دينك، وضعف في إيمانك، وأنك بهذا خرجت عن كمال الإيمان، وعن تمام الإيمان، إلى ما آلت إليه، وإلى ما أنت صرت إليه من نقص وضعف بسبب المعاصي التي أقدمت عليها.
ومن صفاتهم أنهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هذه من صفات أهل الإيمان، ومن صفاتهم ما قاله الرسول ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه[8]، فهم يتعاونون ويدعم بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا على الخير، ومن صفاتهم قوله عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[9]. فمن صفاته أنه كامل النصيحة، كامل المحبة لأخيه، يحب لأخيه كل خير، ويكره له كل شر، ومن صفاتهم ما جاء في الحديث الصحيح: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[10].
كل هذا من صفات أهل الإيمان، ومن صفاتهم ما دل عليه قوله جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، هذه من صفاتهم العظيمة.
ومن صفاتهم العظيمة أيضًا أنهم عند ذكر الله توجل القلوب، وعند تلاوة كتابه يزداد إيمانهم، وعلى ربهم يتوكلون في كل أمورهم، عليه يعتمدون مع الأخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأعمال التي شرعها الله لتمام التوكل، فمن تمام التوكل الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأعمال فلا توكل إلا بأسباب، ولا أسباب إلا بتوكل، فالمؤمن يجمع بينهما: يعتمد على الله، بقلبه ويفوض إليه  أموره، مع أخذه بالأسباب، مع تعاطي أسباب الجنة والبعد عن أسباب النار، ومع الأخذ بالأسباب الشرعية في كسب وطلب الحلال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، فهم في إيمانهم صادقون صابرون، وعلى ربهم يتوكلون وبالأعمال الصالحة يأخذون، وعليها يعتمدون، وبترك الأعمال السيئة يعتمدون أيضًا، ويواظبون ويحافظون، وهكذا يأخذون بكل ما شرع الله، وبكل ما أباح الله من الأسباب فلا يضيعونها، فالتوكل من دون أسباب عجز أيضًا، والأسباب من دون توكل عجز أيضًا، فالتوكل الصادق الذي شرعه الله لعباده، الذي يجمع بين الأمرين: بين الاعتماد على الله، وبين الأخذ بالأسباب، والأعمال التي شرعها الله وأمر بها .
ومما ورد في صفات المؤمنين قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي ﷺ قال: المسلم أخو المسلم لا يبغضه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة[11].
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والآيات كثيرة، ويكفينا ما أشرنا إليه من آيات وأحاديث في بيان صفات المؤمنين وأخلاقهم وأعمالهم الطيبة، وفي بيان الإيمان الحق الذي رضي الله على أهله، ومدحهم ووعدهم الجنة والكرامة، والإيمان الباطل الكاذب الذي ذم الله أهله، وعابهم ووصفهم بالنفاق ووعدهم عليه بالدرك الأسفل من النار.
وبهذا علمنا الإيمان الصادق الإيمان الحق، وأعمال أهله وصفاتهم، وعلمنا الإيمان الباطل الكاذب، وصفات أهله وأنهم أهل النفاق، وأهل الكذب والخيانة والغش والخداع.
نسأل الله العافية من صفاتهم وأخلاقهم، ونسأله سبحانه أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يحقق إيماننا جميعًا، وأن يوفقنا للصدق في القول والعمل، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان[12].


 
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم 8.
  2. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان برقم 53، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم برقم 17.
  3. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان برقم 9.
  4. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها برقم 35.
  5. أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب النهي بغير إذن صاحبه برقم 2475.
  6. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق برقم 59.
  7. أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم برقم 6922.
  8. أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم برقم 2446، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2585.
  9. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم 13، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن خصال الإيمان أن يحب... برقم 45.
  10. أخرجه البخاري في كتاب الآداب، باب رحمة الناس والبهائم برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم برقم 2586.
  11. أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه برقم 2442، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم برقم 2580.
  12. محاضرة ألقاها سماحته في أحد المساجد بمدينة الرياض. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/ 151).
أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلسShare via Email
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه