باب الرخصة في اللباس الجميل واستحباب التواضع فيه وكراهية الشهرة والإسبال

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على وجوب التَّواضع وعدم التَّكبر، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يتحرى في ملابسه، وفي مشيته، وفي جميع شؤونه: التواضع وعدم التَّكبر، وأن الجميل لا بأس به، يقول ﷺ: إنَّ الله جميلٌ يُحبّ الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس، أما اللباس الجميل فلا بأس، من باب شُكر الله على نِعَمِه، وإظهار نعمة الله جلَّ وعلا؛ ولهذا يُستحب للمؤمن أن يتزين في أيام العيد وأيام الجمع؛ إظهارًا لنعمة الله جلَّ وعلا، لكن ليس له أن يلبس اللباس الذي يريد به الفخر والخيلاء، أو يريد به التَّكبر على الناس، أو يريد به الشُّهرة، كل هذا يجب اجتنابه.

ولا ينبغي للمؤمن أن يتعاطى ملابس الشهرة التي يريد أن يشتهر بها بين الناس، خلاف جماعته، وخلاف أهل بلده، أو يلبس ثيابًا يريد بها التكبر والتعاظم على الناس والخيلاء، كل هذا لا يجوز، أما لباس جميل: يلبس اللباس الجميل مما يعتاده الناس، ليس من قصده الخيلاء، وليس من قصده الشهرة، وإنما قصده أن يُظهر نعمة الله عليه، فالله يُحب إظهار نعمته ؛ ولهذا لما قيل له: يا رسول الله، الرجل يُحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً، أفذلك من الكبر؟ قال ﷺ: الكبر: بطر الحق يعني: ردّ الحقِّ، وغمط الناس يعني: احتقار الناس، إنَّ الله جميل يُحب الجمال، فدلَّ ذلك على أنَّ اللباس للجمال لا بأس به، وليس من الكبر، وليس من غمط الناس.

فالواجب على المؤمن والمؤمنة أن يتحرى كلٌّ منهما اللباس المعتاد الذي ليس فيه إظهار للشهرة أو التكبر، ولكن يلبس اللباس العادي الجميل الذي يلبسه أمثاله، وعليه أن يحذر الكبر، فالتكبر منكر عظيم، يقول ﷺ: لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال حبَّةِ خردلٍ من كبرٍ، ويقول ﷺ: الكبر بطر الحقِّ يعني: ردّ الحق، وغمط الناس يعني: احتقار الناس، ويقول ﷺ: مَن جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، أما إذا كان ذلك من غير خيلاء، بل إظهارًا للزينة، وإظهارًا للجمال، وأن يشكر الله على نعمته فلا بأس بذلك، بشرط ألا يكون ذلك من باب ثياب الشهرة.

ويقول ﷺ: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار، فلا يجوز الإسبالُ مطلقًا، وإذا كان مع الكبر صار الإثم أعظم، وأما إذا كان من غير كبرٍ فالإثم أقلّ، وإن كان مُحرَّمًا؛ ولهذا قال ﷺ: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار، وقال ﷺ: ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان بما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، فدلَّ على تحريم الإسبال، ولكنه مع الخيلاء والكبر يكون الإثم أكبر.

نسأل الله للجميع العافية والسلامة.

س: يعتقد بعض الناس أنَّ لبس العمامة من السنة؟

الشيخ: لا، هذه أمور عادية، يلبس لباس جماعته، لباس بلده؛ لأنه إذا لبس عمامةً وهم ما يلبسون صار شهرةً، صار مما يُذمّ عليه، ولكن يلبس لباس أمثاله؛ لأنَّ العمامة والإزار والقميص والرداء كلها ملابس عادية، كلها، يلبس الإنسانُ ملابس قومه.

س: اجتهاد بعض العوام في تحريم ما أحلَّ الله من الملبوسات والمركوبات الحديثة، كيف ننصح مثل هؤلاء؟

الشيخ: يُنصحون بأنَّ الملابس والمراكب أمور عادية، لا يجوز تحريمها، كالإنسان لما حدثت السيارات ركب السيارة، لما حدثت الطائرات ركب الطائرة، وهكذا البواخر الجديدة، وما أشبه ذلك، هذه أمور عادية، لا بأس بها، من الملابس والمراكب لا بأس بها، إلا ما حرَّم الله: كونه يلبس حريرًا وهو رجل، يلبس الذهب وهو رجل، هذا لا يجوز، كذلك يركب سيارةً مغصوبةً، ناقةً مغصوبةً، لا يجوز، المقصود يتجنب ما حرَّم الله ولا بأس، أما المراكب العادية والملابس العادية لا بأس بها.

س: كيف يزن المسلمُ نفسه بميزان الشَّرع؟

الشيخ: يُحاسِب نفسه؛ حتى لا يفعل ولا يقول إلا ما وافق الشرع، يحذر أن يقول ما حرَّم الله، أو يفعل ما حرَّم الله، على المسلم أن يُحاسب نفسه دائمًا دائمًا؛ حتى يتَّقي الحرام في قوله وعمله، يكون عنده محاسبة للنفس، وجهاد للنفس.

س: ما نصيحة سماحتكم للشباب الذين إذا تعلموا حديثًا أو حديثين أخذوا يُخطِّئون العلماء الذين عندهم العلم الشرعي، وردّ فتاويهم، وأخذ الشَّاذ من الأقوال؟

الشيخ: نصيحتي لكل مسلمٍ أن يتَّقي الله، وألا يقول على الله بغير علمٍ، سواء شابّ أو شيخ، يجب أن يحذر القول على الله بغير علمٍ، وأن يسأل أهل العلم عمَّا أشكل عليه، وليس له أن يُفتي بغير علمٍ، يقول الله جلَّ وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، جعله فوق الشرك، القول على الله بغير علمٍ أمر عظيم وخطير، وقال عن الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، هذا من أمر الشيطان؛ يأمر الناس بالفحشاء والقول على الله بغير علمٍ.

فالواجب على كل مسلمٍ أن يتَّقي الله، وأن يحذر القول عليه بغير علمٍ، وألا يُفتي، ولا يُحلل، ولا يُحرم إلا بدليلٍ، قال الله، وقال رسوله، عن علمٍ وبصيرةٍ، وعن قواعد شرعيَّةٍ.

س: سماحة الشيخ، الحديث الذي ذكرتموه: إنَّ الله جميلٌ يُحبّ الجمال، هل من أسماء الله الجميل أو من الصِّفات فقط؟

الشيخ: نعم، من أسماء الله الجميل.

س: هل أسماء الله محصورة بمئة؟ وما معنى حديث: إنَّ لله مئةَ اسمٍ، مَن أحصاها دخل الجنة؟

الشيخ: من أسماء الله، يجب حصرها بما جاء في النصوص، ما ثبت في النصوص سُمي به : من القرآن والسنة، والتسعة والتسعون هذه منها، من جملتها.

س: في بعض المصاحف يكتبون في الغلاف أسماء تصل إلى مئة، ما حكم ذلك؟

الشيخ: لا، ما ثبت تعدادها، الحديث الذي فيه تعدادها هذا ضعيف، لكن تُعلم من القرآن، ومن الأحاديث الصَّحيحة.

س: هل يشتقّ من الصِّفات أسماء؟

الشيخ: لا، لا يشتقّ من الصِّفات أسماء، بل الأسماء توقيفية، فلا يقال: الماكر، من: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54]، ولا يقال: الخادع، من يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، ولا يقال: الكائد، من: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15- 16]، لا يشتقّ من الأفعال أسماء، ولكن يشتقّ من الأسماء أفعال، الأسماء يشتقّ منها الأفعال، تقول: إنَّ الله يرحم عباده، إنَّ الله رحيم يُحب الرُّحماء، عزيز يُعزُّ مَن يشاء، ويُذلُّ مَن يشاء، ويرحم مَن يشاء، يقدر على كذا من قدير.

س: ما أفضل الكتب المؤلفة في الأسماء والصِّفات؟

الشيخ: صُنِّفت فيها كتب كثيرة، للبيهقي، وغير البيهقي، ما أذكر شيئًا يدل على الأفضلية، لكن يُستعان بها: ابن القيم رحمه الله، وللبيهقي، ولجماعة آخرين.

س: أخيرًا أقول: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته، ما مذهبهم؟

الشيخ: مذهبهم توقيفي؛ لا يُثبتون اسمًا من أسماء الله ولا صفةً من صفاته إلا بالنصِّ من كتاب الله وسنة رسوله، أو إجماع أهل العلم؛ لأنها ما هي بالخرص، لكن بالنص، لا يثبت لله أسماء ولا صفات إلا بالنص أو بالإجماع.

س: الفقرة الأخيرة في السؤال الأخير: مَن أنكر اسمًا من أسماء الله هل يكفر؟

الشيخ: إذا كان ثابتًا بالكتاب والسنة مُجمعًا عليه، لو قال: إنه ليس بالرحمن، وليس بالعزيز، وليس بالقدير، يكفر؛ لأنَّ هذه ثابتة.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على وجوب التَّستر، وأنَّ الواجب على المرأة أن تلبس اللباس السَّاتر الذي يسترها عن الرجال في بدنها، وأنه لا يجوز لها التَّشبه بالرجال، بل تعتني باللباس السَّاتر الذي يستر بدنها وحجم أعضائها؛ لأنها فتنة، ولا يجوز لها أن تلبس الرقيق، أو القصير الذي يكشف بعض أعضائها؛ لقوله ﷺ: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، كاسيات في الاسم، عاريات في الحقيقة: إما للرقة، وإما لقصرها، مائلات عن الحقِّ، مُميلات لغيرهن عن الحقِّ، هذا فيه الوعيد الشديد، وأنَّ الواجب على المرأة أن تلبس لباسًا ساترًا، كافيًا، بعيدًا عن إظهار المحاسن وأسباب الفتنة، وأن تحذر الدعوة إلى الباطل، والميل إلى الباطل، بل تكون بعيدةً عن الباطل، وعفيفة، وبعيدة أن تدعو غيرها إلى الباطل.

وكذلك رجال بأيديهم سياط: هؤلاء هم الذين يضربون الناس ظلمًا، الواجب على المؤمن أن يحذر ظلم إخوانه، لا بالسياط، ولا بغير السياط، الواجب على المؤمن ألا يضرب أحدًا إلا بحقٍّ، وعلى المرأة في ستر رأسها وستر بدنها أن تتحرى الستر الكافي الذي يسترها عن الرجال، ويُبعدها عن الفتنة.

س: كلمة "مائلات مميلات"؟

الشيخ: مائلات عن الحقِّ إلى الفاحشة والشَّر، مميلات لغيرهن، نسأل الله العافية.

س: ما حكم قصّ المرأة لرأسها؟

الشيخ: القصّ لا يجوز؛ لأنه من القزع، لكن إذا كان طويلًا وأحبت أن تأخذ من أطرافه شيئًا، ثبت عن أزواج النبي أنهن أخذن من رؤوسهنَّ بعد موته ﷺ؛ لطولها، عن بعض أزواجه، لا بأس إذا أخذ من طولها للراحة من التَّكلف، إذا كانت طويلةً وأخذ من أطراف الرؤوس لا بأس، أما القصّ من المقدم، أو من المؤخر، أو التَّشبه بالرجال، أو بالكفار، كل هذا لا يجوز.

س: وجدت قصّات كثيرة في زماننا هذا عند بعض النساء، ما نصيحتكم وتوجيهكم للأخوات حفظكم الله؟

الشيخ: الواجب عليهن أن يحذرن ذلك، وأن يُبقين الرؤوس على حالها؛ لأنها جمال، الرؤوس جمال المرأة، لكن إذا كانت طويلةً جدًّا تشقّ عليها وتُتعبها، وأحبَّت أن تأخذ من أطرافه حتى يخفَّ عليها التَّعب فلا بأس، أما أن تقصَّ المقدم أو بعض الشيء وتُخلي بعض الشيء تشبه بالرجال أو بالكفار فلا يجوز.

 

الشيخ: يُستحب للمؤمن في جميع لباسه أن يتحرى القصد وعدم التَّكلف كما تقدم، ويُستحب له إذا استجدَّ ثوبًا أن يحمد الله ويُشكره، يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، ثوب أو بشت أو نحوه: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شرِّه وشرِّ ما صُنع له.

ويُستحب له أن يبدأ باليمين، إذا لبس القميص يبدأ باليمين: كمّه الأيمن، أو البشت، إذا أدخل يديه يُدخل يده اليمنى قبل في التيامن، النبي كان يُعجبه التَّيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله؛ أخذًا باليمين أولى، فإذا لبس القميص يبدأ بالكمِّ الأيمن، يُدخل الكمّ الأيمن، أو البشت، أو السراويل يبدأ بالأيمن، وفي الخلع العكس، الخلع يبدأ بالأيسر، يبدأ باليسار، وهكذا في النعل؛ إذا لبس نعليه يلبس النَّعل اليمين أولًا، وفي الخلع يبدأ باليسار، وهكذا في الخفين.

المقصود أنَّ الملابس يبدأ فيها بالأيمن، وفي الخلع بالأيسر، وعند اللّبس وما يرزقه الله من الكسوة يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شرِّه وشرِّ ما صُنع له.

س: إذًا البدء باليمين في لبس الثوب هل هو سنة؟

الشيخ: نعم، الثوب، والسراويل، والبشت، كل ما كان له يمين ويسار يبدأ باليمين في اللبس، وباليسار في الخلع، والنعل والخفّين.

س: وبالنسبة للأكل باليمين؟

الشيخ: واجب مع القُدرة، واجب.

س: لأنَّ بعض الناس يأكلون بشمالهم؟

الشيخ: لا يجوز الأكل بالشمال، النبي ﷺ أمر قال: إذا أكل أحدُكم فليأكل بيمينه، وإن شرب فليشرب بيمينه؛ فإنَّ الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله.

س: أيضًا امتدادًا لهذا السؤال: بعض الناس يأكل باليمين، يمسك، إذا كان المرءُ يأكل فإنه يمسك الماء باليد اليسرى، بحجّة أن اليمنى يكون الكوبُ فيها؟

الشيخ: يشرب باليمين، وإن استعان باليسرى لا بأس، يستعين استعانةً، والشرب يكون باليمين، والأكل يكون باليمنى، لكن يستعين باليسرى إذا دعت الحاجةُ للاستعانة، كما كان النبيُّ يستعين بقصّ اللحم من العظم ونحو ذلك.

س: الحديث الذي ورد فيه: لا استطعتَ هل هو دعاء على الرجل؟

الشيخ: كان ﷺ رآه يأكل بيساره، فقال له النبيُّ: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعتَ، فما رفعها إلى فيه؛ لأنه ما منعه إلا الكبر، فدعا عليه النبيُّ، فأجاب الله دعوته، نسأل الله السَّلامة.

 

الشيخ: هذا يدل على وجوب اجتناب النَّجاسات، وهذا أمر واجب لا بدّ منه، والأدلة على هذا كثيرة، فالواجب على المؤمن في صلاته اجتناب النَّجاسة: في ثوبه، وفي بدنه، وفي مصلاه، لا يُصلي على أرضٍ نجسةٍ، ولا في ثوبٍ نجسٍ، ولا في بدنٍ نجسٍ، والثوب الذي يأتي فيه أهله لا بأس به، يُصلي فيه إذا لم يكن به أذى، الثوب الذي يُجامع أهله فيه لا يضرّ، ولو أصابه مني يفركه أو يغسله والحمد لله، وهكذا اللحاف، وهكذا الفراش الذي ينام عليه، إذا كان طاهرًا له أن يُصلي عليه، إلا أن يُصيبه أذى، وهذا عام في ملابسه، وفي فراشه، وفي لحافه، وفي غير ذلك.

ولهذا لما صلَّى ذات يومٍ ﷺ في نعليه أخبره جبرائيلُ أنَّ بهما أذًى فخلعهما، فخلع الناسُ نعالهم، فلما سلَّم سألهم، فقالوا: رأيناك خلعتَ نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إنَّ جبرائيل أخبرني أنَّ بهما أذًى، فإذا أتى أحدُكم المسجدَ فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما خبثًا فليمسحهما، ثم ليُصلِّ فيهما.

هذا يدل على أنَّ الإنسان إذا جاء المسجدَ يتفقد نعليه أو خفَّيه، فإن كان فيهما أذى يمسحه من خارجٍ حتى يزول الأذى.

ويدل الحديثُ على أنه لو صلَّى وهو لا يعلم أنَّ به نجاسةً، وانتبه في أثناء الصلاة أنه يُزيله، الذي فيه النَّجاسة: كالخفِّ والنَّعل والقطرة والبشت، إذا علم به نجاسةً خلع الخفَّ، أو خلع النَّعل، أو خلع الغترة، أو خلع البشت، ولا حرج، ويُصلي ويتم صلاته، فإذا لم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، إذا لم يعلم أنَّ في ثوبه نجاسةً، أو في بشته نجاسة إلا بعد الصلاة، فصلاته صحيحة، كما لو نسي، كما لو صلَّى ناسيًا أنَّ في ثوبه نجاسةً، أو في بشته نجاسةً، فلم يذكر إلا بعد الصلاة، فصلاته صحيحة؛ لأنَّ النبي ﷺ لم يُعد أول الصلاة، لما أخبره جبرائيلُ أنَّ بهما قذرًا خلعهما ولم يُعد أول الصلاة؛ لأنه جاهل بالواقع، فدلَّ على أنَّ الجاهل لا يُعيد، والناسي مثله من باب أولى.

س: في قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] ما معناه؟

الشيخ: المعروف عند العلماء أعماله؛ لأنه كان في مكة قبل فرض الصلاة، فالمراد: طهر أعمالك عن الشرك، ومن حيث المعنى كذلك تطهير الثياب من النَّجاسة من حيث عموم اللفظ، وإلا فالصواب الملابس، كما قال تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، فإنَّ الأعمال تُسمَّى: لباسًا، تُسمَّى: ثيابًا، والمعنى: طهرها من الشرك، طهر أعمالك من الشرك.

س: يبقى شيخ عبدالعزيز حفظكم الله، المذي إذا أصاب الثوبَ، ما حكمه؟ والمني هل يجب غسله؟

الشيخ: المذي نجس يُغسل، إذا أصاب الثوبَ يُغسل، وأما المني فهو طاهر: إن غسله فهو أفضل، وإن حكَّه وهو يابس كفى، وإن غسله النبيُّ ﷺ كان ربما فركه، وربما غسله عليه الصلاة والسلام.

س: وبالنسبة لحكم الصلاة في النَّعلين في وقتنا الحاضر؟

الشيخ: إن صلَّى فيهما وهما نظيفان فلا بأس، وإن خلعهما لئلا يُقذر الفرش فلعله حسن إن شاء الله؛ لأنَّ بعض الناس قد يتساهل فتقذر الفرش، والمساجد فيها فرش، أما لو لاحظ نعليه وصلَّى فيهما فلا بأس.

 

الشيخ: الجمع بين النصوص في هذا أنَّ اللحف السليمة لا بأس بها، والفرش السليمة لا بأس بها، وأما التي تركها فهي التي قد يكون فيها شيء من النَّجاسة من مذي أو غيره؛ لأنه قد يُصيب الفراش مذي، قد يُصيب اللحاف كذلك، فالفرش واللحف التي لم تُصبها نجاسة لا بأس أن يُصلي فيها، كما كان النبيُّ يُصلي فيها.

وكذلك حمل الصغير ويُصلي به، الأصل الطَّهارة، إلا أن يعلم نجاسته لا يحمل، وإلا فالأصل الطَّهارة، كما حمل أمامة وصلَّى بها، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وهي صغيرة، وكما كان الحسنُ يركب، إذا سجد النبيُّ ركب على ظهره، كل هذا يدل على أنَّ الأصل الطَّهارة حتى يعلم النَّجاسة.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.