وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي: حدثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباسٍ: أنَّه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفةً من ماءٍ فتمضمض بها واستنثر، ثم أخذ غرفةً فجعل بها هكذا، يعني: أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفةً من ماءٍ فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفةً من ماءٍ فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح رأسه، ثم أخذ غرفةً من ماءٍ ثم رشَّ على رجله اليُمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفةً من ماءٍ فغسل بها رجله اليُسرى، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله ﷺ. يعني: يتوضّأ.
ورواه البخاري عن محمد بن عبدالرحيم، عن أبي سلمة منصور بن سلمة الخزاعي، به.
الشيخ: والمعنى أنه توضّأ مرةً مرةً كما في الرِّواية الأخرى: توضأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، فالمرة مُجزئة، والثنتان أفضل، والثلاث أكمل، والمعنى يعمّها بالغسل، يعمّ العضو بالغسل، يتمضمض ويستنشق بغرفةٍ واحدةٍ، ويغسل وجهه حتى يعمّه بالماء بغرفةٍ واحدةٍ، ويغسل يده اليمنى حتى يعمّها بالماء بغرفةٍ واحدةٍ، واليُسرى كذلك، ويمسح رأسه وأُذنيه مرة واحدة، ورجله كذلك: اليمنى ثم اليسرى حتى يعمّها.
س: ...............؟
ج: لا بأس، لكن المضمضة والاستنشاق بغرفةٍ واحدةٍ أفضل.
الشيخ: يعني: أموال اليتامى إلى أموالكم، يعني: مع أموالكم، وهكذا قوله -جلَّ وعلا-: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ يعني: مع المرافق، وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] يعني: مع الكعبين، نعم.
الشيخ: ويُغني عن هذا -وذهب عن حفظ المؤلف- ما رواه مسلم في "الصحيح" عن النبي ﷺ أنه توضّأ فغسل وجهه، قال: ثم غسل يديه فأفضى إلى العضد، ومسح رأسه، قال: وغسل رجليه حتى أفضى إلى الساق. فدلّ ذلك على أنَّ المرفق والكعب مغسولٌ؛ لأنَّه إذا أفضى إلى الساق وأفضى إلى العضد فقد غسل المرفق والكعبين، هذا صريحٌ في الموضع، وهو يُغني عن الحديث الموضوع هذا الضَّعيف، نعم.
س: ما الراجح في مسح الرأس: واحدة أم ثلاث؟
ج: مرة واحدة، كان يمسح رأسه مرة واحدة. نعم.
ويُستحبّ للمُتوضّئ أن يشرع في العضد فيغسله مع ذراعيه؛ لما روى البخاري ومسلم من حديث نعيم المجمر، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ أُمَّتي يُدعون يوم القيامة غرًّا مُحجلين من آثار الوضوء، فمَن استطاع منكم أن يُطيل غرّته فليفعل.
وفي "صحيح مسلم" عن قُتيبة، عن خلف بن خليفة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: سمعتُ خليلي ﷺ يقول: تبلغ الحليةُ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ حليةَ الجنة تكون للرجال والنِّساء، التَّحلي يكون للرجال والنِّساء، تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، والوضوء يبلغ مُقدّم العضد ومُقدّم الساق، كان أبو هريرة يُبالغ حتى يصل إلى العضدين، فنهاية العضدين ..... المنكبين، وكان يُبالغ في الرِّجلين إلى الركبتين؛ اجتهادًا منه وتأويلًا لهذا الحديث، تأويلًا للحلية في الحديث: فمَن استطاع منكم أن يُطيل غرّته وتحجيله فليفعل، ولكن هذا الذي فعله أبو هريرة اجتهادًا منه مرجوحٌ ، والصواب أنَّه يكتفي بالكعبين والمرفقين، يغسلهما، يشرع بالعضد، ويشرع بالساق؛ لأنَّه وضوء النبي، هكذا، نعم.
س: الحلية .....؟
ج: ما أتذكر شيئًا، لكن معلوم أنَّ الحلية اللآلئ والجواهر والذَّهب.
س: قوله: "مَن استطاع أن يُطيل غرّته فليفعل" من كلام النبي ﷺ؟
ج: الصواب أنَّه مُدرج، وفي الرواية الأخرى: "وتحجيله غرّته"، "وتحجيله" الصواب أنه مُدرج من كلام أبي هريرة، كما قال ابن القيم -رحمه الله-، نعم.
الشيخ: والصَّواب أنها باء الإلصاق، الباء ما تجيء للتَّبعيض، بمعنى ألصقوا المسح على رؤوسكم، والنبي فسّر ذلك، كان يمسح على رأسه كلِّه، ما هو على بعضه، كان يمسح رأسه وأُذنيه -عليه الصلاة والسلام-، فالباء هنا للإلصاق والمبالغة في المسح، نعم.
وقد ثبت في "الصحيحين" من طريق مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: أنَّ رجلًا قال لعبدالله بن زيد بن عاصم، وهو جدّ عمرو بن يحيى، وكان من أصحاب النبي ﷺ: هل تستطيع أن تُريني كيف كان رسول الله ﷺ يتوضأ؟ فقال عبدالله بن زيد: نعم. فدعا بوضوءٍ، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسَه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدّم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
وفي حديث عبد خير عن عليٍّ في صفة وضوء رسول الله ﷺ نحو هذا.
وروى أبو داود عن معاوية والمقداد بن معديكرب في صفة وضوء رسول الله ﷺ مثله.
ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس، كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل، لا سيّما على قول مَن زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أُجمل في القرآن.
وقد ذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس، وهو مقدار الناصية، وذهب أصحابُنا إلى أنَّه إنما يجب ما يُطلق عليه اسم مسح، ولا يقدر ذلك بحدٍّ، بل لو مسح بعض شعره من رأسه أجزأه.
واحتجَّ الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة، قال: تخلّف النبي ﷺ فتخلّفت معه، فلمَّا قضى حاجته قال: هل معك ماء؟ فأتيتُه بمطهرةٍ، فغسل كفَّيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كمّ الجبّة، فأخرج يديه من تحت الجبّة، وألقى الجبّة على منكبيه، فغسل ذراعيه، ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خُفّيه. وذكر باقي الحديث، وهو في "صحيح مسلم" وغيره.
فقال لهم أصحابُ الإمام أحمد: إنما اقتصر على مسح الناصية لأنَّه كمل مسح بقية الرأس على العمامة، ونحن نقول بذلك، وأنه يقع عن الموقع، كما وردت بذلك أحاديث كثيرة، وأنَّه كان يمسح على العمامة وعلى الخفَّين، فهذا أولى، وليس لكم فيه دلالة على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميلٍ على العمامة، والله أعلم.
الشيخ: وهذا الذي ذهب إليه مالك وأحمد هو الصواب، وقول الشافعية: أنه يكفي اليسير من الرأس، وقول الحنفية: الربع، قولان ضعيفان، والصواب أنَّه يمسح على رأسه كلِّه، وإذا كانت عليه عمامة مسح على العمامة إذا لبسها على طهارةٍ، وما ظهر من الرأس كالناصية، النبي ﷺ مسح على الناصية والعمامة لما كانت عليه العمامة، والواجب العمل بالسنة مع القرآن جميعًا؛ لأنَّ السنة تُفسّر القرآن، والله يقول: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، فالسنة تُفسّر القرآن وتُبيّنه.
فالواجب مسح الرأس جميعه، وإذا كانت عليه عمامة لبسها على طهارةٍ يمسح عليها وعلى ما بدا من الرأس كالناصية، كما يمسح على الخفَّين، هذا هو الواجب.
وأمَّا قوله: بِرُءُوسِكُمْ فالباء للإلصاق، وليست للتَّبعيض، وفعله ﷺ وتعليمه يُفسّر القرآن ويُبيّنه، نعم.
الشيخ: الصواب هو هذا: مسحة واحدة، والتَّكرار باليد والرِّجل والوجه ثلاثًا ثلاثًا، أما الرأس فيمسحه مسحة واحدة مع الأذنين، وإذا كانت عليه عمامة مسح على العمامة إذا لبسها على طهارةٍ يومًا وليلةً إن كان مُقيمًا، وثلاثة أيامٍ بلياليهن إن كان مُسافرًا كالخفَّين، وإذا بدا شيء من الرأس كالنَّاصية مسح ما بدا من الرأس مع العمامة جميعًا كما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: مطلقًا مثل الخفّين، ولو لغير ضرورةٍ.
س: .............؟
ج : على ما جاء في الحديث أنَّه كان يلبسها مُحنَّكةً -عليه الصلاة والسلام-، كان يلبس العمامة مُحنَّكةً؛ ولأنَّها إذا كانت غير مُحنَّكةٍ ..... بسرعة، ما تكلّف، المحنَّكة هي التي تحتاج إلى تعبٍ.
س: وقت العمامة كوقت الخفَّين: يوم وليلة للمُقيم، وثلاثة أيام للمُسافر؟
ج: العمائم والخفّين سواء: يوم وليلة للمُقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمُسافر.
س: هل يُطلق على العمامة أنها سُنَّة؟
ج: العمامة لمن لبسها، كما لبس النبي ﷺ، لكنَّها من العادات، لبس الإزار والرِّداء والقميص والعمامة من الأمور العادية، لكل قومٍ لبسهم.
س: يُقال أنها سُنَّة؟
ج: قد يُقال أنها سنة من جهة الكيفية، أما أنها سنة دائمة وإن كان ..... ليس بسنة؛ لأنها عادة له مثل لبس القميص، ومثل لبس الإزار، نعم.
س: .............؟
ج: العمامة والخفّين مسحة واحدة، والرأس مسحة واحدة.
س: يعني كما ورد في الحديث: يُقبل بهما ويُدبر؟
ج: نعم، مسحة واحدة، يبدأ من مقدّمه إلى قفاه، ثم يردّهما، هذا هو الأفضل، وإن بدأ بوسط الرأس أو بمؤخّره الأمر واحد، المهم أن يمسح رأسَه.
س: ..............؟
ج: نعم، هذا هو الأفضل، ولو مسح بيدٍ واحدةٍ وعمم كفى.
الشيخ: وهذا يدلّ على شرعية سنة الوضوء، وأنَّه إذا توضّأ كما أمره الله، ثم صلَّى ركعتين، كان هذا من أسباب المغفرة، إذا صلَّاهما وأقبل عليهما بقلبه، وكفاه الله شرَّ الوسواس، كانت من أسباب المغفرة، يعني: إذا لم يُصرّ على الذنوب كما هو معروف: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، وهذا يُبين لنا صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام-: أنَّه ثلاثًا ثلاثًا، هذا هو الأفضل، إلا الرأس مسحة واحدة، نعم.
س: ..............؟
ج: هذا كلام النبي، يُخبر عن النبي ﷺ: "رأيتُ النبي يتوضّأ"، يدلّ على أنَّ سنة الوضوء من ذوات الأسباب، مثل: تحية المسجد، وصلاة الخسوف، وصلاة الطواف من ذوات الأسباب، مَن توضّأ شُرع له أن يُصلي ركعتين، نعم.
وفي "سنن أبي داود" من رواية عبدالله بن عبيدالله ابن أبي مُليكة، عن عثمان في صفة الوضوء: ومسح برأسه مرةً واحدةً.
وكذا من رواية عبد خير عن عليٍّ مثله.
واحتجّ مَن استحبّ تكرار مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسلم في "صحيحه" عن عثمان : أنَّ رسول الله ﷺ توضأ ثلاثًا ثلاثًا.
الشيخ: هذا لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ "ثلاثًا ثلاثًا" مُجملة، وأحاديث التَّفصيل تُبين معنى "ثلاثًا ثلاثًا"، والسنة يُفسّر بعضُها بعضًا، كالقرآن يُفسّر بعضه بعضًا، وقوله: "ثلاثًا ثلاثًا" يعني: في الوجه واليدين والقدمين، أمَّا الرأس فجاءت السُّنة مُفسّرة: مسحة واحدة، نعم.
الطالب: عبدالله بن عبيدالله بن عبدالله ابن أبي مليكة –بالتَّصغير- ابن عبدالله بن جدعان، يُقال اسم أبي مليكة: زهير التّيمي المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقة، فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة. (ع).
الشيخ: هذا هو .....، نعم.
قوله: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] قُرئ: وَأَرْجُلَكُمْ بالنَّصب عطفًا على: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6].
قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبو زُرعة.
الشيخ: قف على بحث الأرجل.
س: صلاة الاستخارة هل هي من ذوات الأسباب؟
ج: نعم، من ذوات الأسباب، لكن وقتها واسع، صلاة الاستخارة وقتها واسع.
س: حديث: مَن توضّأ نحو وضوئي هذا يدلّ على جواز تكرار الوضوء، وأنَّه يُؤجر المسلمُ عليه؟
ج: استنبط منه العلماء ذلك إذا كان لأسبابٍ، أمَّا إن كان بدون أسبابٍ لا، إذا فرغ من وضوئه يُعيد الوضوء لا، ما هو بمشروعٍ هذا، لكن إن كان لأسبابٍ: طالت المدّة .....، أصابه نعاس وفتور، يعني: لأسبابٍ، غير مجرد التَّكرار.
س: والتَّجديد؛ تجديد الوضوء؟
ج: إن كان لأسبابٍ، أمَّا مجرد أنه يُجدده في الحال، يتوضأ ثم يُجدد، هذا عبث.
.............
