وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:110-113].
يُخبر تعالى عن كرمه وجوده: أنَّ كل مَن تاب إليه تاب عليه، من أي ذنبٍ كان، فقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا.
قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ أنَّه قال في هذه الآية: أخبر الله عباده بعفوه، وحلمه، وكرمه، وسعة رحمته، ومغفرته، فمَن أذنب ذنبًا، صغيرًا كان أو كبيرًا ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا، ولو كانت ذنوبه أعظم من السَّماوات والأرض والجبال. رواه ابنُ جرير.
الشيخ: وهذا من فضل الله -جلَّ وعلا- ورحمته، وأنه سبحانه لطيف بعباده، جواد كريم، فمَن تاب إليه وأناب تاب الله عليه ولو عظمت الذُّنوب، وأعظمها الشِّرك بالله، فمَن أسلم لله وترك الشِّرك وتاب إلى الله توبةً صادقةً قبل الله توبته، وقد أسلم الجمُّ الغفير في عهده ﷺ عام الفتح بعد الأعمال السّيئة: بعد المحاربة للنبي والصحابة، وبعد القتال، ثم تاب عليهم -جلَّ وعلا- وقبل توبتهم، وعفا عنهم ، كلّ هذا من فضله -جلَّ وعلا-؛ ولهذا يقول سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا، والسوء يشمل الشرك وغيره، وظلم النفس كذلك يشمل ظلمها بالشرك وبغيره من المعاصي.
وفي هذا المعنى يقول -جلَّ وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، أجمع العلماء على أنَّ هذه الآية في التَّائبين، فإذا تابوا وأنابوا إلى الله واتَّقوا تاب الله عليهم من الشِّرك وما دونه، فلا يجوز القنوط، ولا اليأس من رحمة الله، بل يجب حُسن الظن بالله، والبدار والتوبة من الشرك وما دونه صدقًا بالندم على الماضي من السّيئات، والإقلاع من الذنوب، والعزم ألا يعود فيها، هكذا التوبة، وبردّ المظالم على أهلها، إذا كانت عنده مظالم للناس وجب ردّها إليهم، أو استحلالهم منها، وإذا كان صادقًا تاب الله عليه وعفا عنه؛ فضلًا منه وإحسانًا -جلَّ وعلا-.
فالواجب حُسن الظن به سبحانه، والصدق معه في المعاملة، والعبد له البُشرى والعاقبة الحميدة إذا صدق في عمله، وأخلص لله، وتابع الحقّ يريد وجه الله والدار الآخرة؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا.
س: ومَن مات على الشِّرك؟
ج: مَن مات على الشِّرك لا يغفر له، نسأل الله العافية، الجنة عليه حرام.
س: والنِّفاق؟
ج: والنِّفاق الأكبر كذلك: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، والنِّفاق الأكبر هو الذي يُضمر الشِّرك والكفر بالله، ويتظاهر بالإسلام، وهو مع المشركين في الباطن، هذا النِّفاق الأكبر، أما النِّفاق الأصغر مثل: الكذب، والفجور في الخصومات، وإخلاف الوعد، والكذب في الحديث، هذا يُقال له: النِّفاق الأصغر، وصاحبه من جملة أهل المعاصي، نسأل الله العافية.
س: علي ابن أبي طلحة يروي عن ابن عباسٍ؟
ج: يروي عنه كثيرًا، لكنه لم يسمع منه، هذا المعروف، منقطع، لكنه يروي عنه كثيرًا.
وقال ابنُ جرير أيضًا: حدَّثنا محمد بن مثنى: حدثنا محمد ابن أبي عدي: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، قال: قال عبدالله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدُهم ذنبًا أصبح قد كتب كفّارة ذلك الذنب على بابه، وإذا أصاب البولُ منه شيئًا قرضه بالمقراض. فقال رجلٌ: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرًا. فقال عبدالله : ما آتاكم الله خيرٌ مما آتاهم؛ جعل الماء لكم طهورًا، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135]، وقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا.
وقال أيضًا: حدثني يعقوب: حدثنا هشيم، عن ابن عونٍ، عن حبيب ابن أبي ثابت، قال: جاءت امرأةٌ إلى عبدالله بن مغفل، فسألته عن امرأةٍ فجرت فحبلت، فلمَّا ولدت قتلت ولدها؟ قال عبدالله بن مغفل: ما لها؟! لها النار. فانصرفت وهي تبكي، فدعاها، ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا قال: فمسحت عينها ثم مضت.
الشيخ: هذا عامّ، الشرك والزنا والقتل كلّه مَن تاب توبةً صادقةً تاب الله عليه، وقوله -جلَّ وعلا-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] يعني: ما لم يؤمن، ما لم يتب، أو يُقم عليه حدُّ القصاص، مَن تاب تاب اللهُ عليه، وإن أُقيم عليه حدّ القصاص فالقصاص والحدود كفّارة، نعم، والله المستعان.
س: القاتل هل لا بدَّ من إقامة الحدّ عليه، أو تكفي التوبة؟
ج: القاتل إذا أمكن إقامة القصاص عليه فهو حقٌّ، يُقام عليه القصاص، إذا طلب الحق ولم يعفو وجب أن يُقام عليه القصاص، إذا قتل ظالـمًا يُقام عليه حدُّ القصاص إذا طلبه أهلُ الحقّ، وإذا عفوا فلا بأس.
وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا شعبة، عن عثمان بن المغيرة، قال: سمعت علي بن ربيعة من بني أسد يُحدّث عن أسماء، أو ابن أسماء، من بني فزارة، قال: قال علي : كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وحدَّثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- قال: قال رسول الله ﷺ: ما من مسلمٍ يُذنب ذنبًا، ثم يتوضأ، ثم يُصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب؛ إلا غُفِرَ له، وقرأ هاتين الآيتين: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ الآية، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.
وقد تكلّمنا على هذا الحديث وعزيناه إلى مَن رواه من أصحاب السّنن، وذكرنا ما في سنده من مقالٍ في "مسند أبي بكر الصديق "، وقد تقدّم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضًا.
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجهٍ آخر عن عليٍّ فقال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن زياد: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الحرَّاني.
مداخلة: في نسخة (الشعب): الحربي.
الشيخ: إبراهيم بن إسحاق الحربي معروف، إمام معروف. عندكم: الحربي أو الحرَّاني؟
أحد الطلبة: الحرَّاني.
الشيخ: انظر: يوجد الحراني في "التقريب" أو "الخلاصة"؟
المعروف: الحربي، مثلما في نسخة (الشعب)، حطّ عليه إشارة على الحراني، الظاهر -والله أعلم- أنها تصحيف.
الطالب: رجل واحد فقط ..... إبراهيم بن إسحاق بن عيسى البُناني -بضم الموحدة ثم نون- مولاهم، أبو إسحاق الطالقاني، نزيل مرو، وربما نُسب إلى جدِّه، صدوق يُغرب، من التاسعة، مات سنة خمس عشرة. (مسلم، وأبو داود، والترمذي).
الشيخ: ما في غيره؟
الطالب: ما في غيره.
الشيخ: يمكن ما روى عنه، مُتأخّر في زمن أبي داود والنّسائي، يمكن ما روى عنه، انظر: "الخلاصة"، و"التقريب".
الطالب: هذا "التقريب".
الشيخ: و"الخلاصة"؟ نعم.
أحد الطلبة: نُصوّبها: الحربي يا شيخ؟
الشيخ: لا، حطّها نسخة احتياطًا حتى ننظر النُّسخة.
حدثنا داود بن مهران الدباغ: حدثنا عمر بن يزيد، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن عليٍّ، قال: سمعت أبا بكر -هو الصديق- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبدٍ أذنب، فقام فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام فصلَّى واستغفر من ذنبه، إلا كان حقًّا على الله أن يغفر له؛ لأنَّ الله يقول: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ الآية.
ثم رواه من طريق أبان ابن أبي عياش، عن أبي إسحاق السّبيعي، عن الحارث، عن علي، عن الصّديق، بنحوه، وهذا إسنادٌ لا يصحّ.
الشيخ: يعني: إسناد الأخير؛ لأنَّ أبان ابن أبي عياش ضعيف، وهكذا الحارث الأعور، ولكن الحديث له طرق لا بأس بها، جيد، وهو يدلّ على أنَّ الوضوء أمام التوبة من أسباب التوبة، ومن أسباب قبولها، والعبد إذا تاب توبةً صادقةً، سواء كان على وضوءٍ، أو على غير وضوءٍ قبلها الله منه -جلَّ وعلا-، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، فمَن تاب إليه توبةً صادقةً، سواء كان على وضوءٍ، أو على غير وضوءٍ قبل منه -جلَّ وعلا-، لكن إذا كان عن وضوءٍ وطهارةٍ وضراعةٍ كثيرةٍ وبكاءٍ من خشية الله، فهذا أكمل، نعم.
س: الحديث بمجموع طرقه يرتقي؟
ج: لا بأس، له طرق، بعض الطرق جيدة، في "المسند"، نعم.
وقال ابنُ مردويه: حدَّثنا محمد بن علي بن دحيم: حدثنا أحمد بن حازم: حدثنا موسى بن مروان الرقي: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن تمام بن نجيح: حدثني كعب بن ذهل الأزدي، قال: سمعت أبا الدَّرداء يُحدّث قال: كان رسول الله ﷺ إذا جلسنا حوله، وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع، ترك نعليه في مجلسه، أو بعض ما عليه، وإنَّه قام فترك نعليه.
قال أبو الدَّرداء: فأخذ ركوةً من ماءٍ، فاتبعته، فمضى ساعةً، ثم رجع ولم يقضِ حاجته، فقال: إنَّه أتاني آتٍ من ربي فقال: إنَّه مَن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا، فأردتُ أن أُبَشّر أصحابي.
قال أبو الدَّرداء: وكانت قد شقّت على الناس الآية التي قبلها: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، فقلتُ: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق، ثم استغفر ربَّه غفر له؟ قال: نعم، ثم قلتُ الثانية، قال: نعم، قلتُ الثالثة، قال: نعم، وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله، غفر الله له على رغم أنف أبي الدَّرداء. قال: فرأيتُ أبا الدَّرداء يضرب أنفَ نفسه بأصبعه. هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه بهذا السياق، وفي إسناده ضعفٌ.
الشيخ: هو مشهورٌ بهذا المعنى من حديث أبي ذرٍّ: وإن رغم أنف أبي ذرٍّ في الصَّحيح، وأنَّ الله -جلَّ وعلا- تفضّل على عباده: أنَّ مَن تاب إليه، مَن أخلص لله ودخل في الإسلام غفر الله له، وإن زنى وإن سرق؛ لأنَّ الأساس التوحيد، فإذا تاب إلى الله وأسلم فهو على خيرٍ، وعلى رجاء، وهو تحت مشيئة الله إذا مات على الزنا ولم يتب، فإن تاب تاب الله عليه، نعم.
س: الضَّعف الذي في السَّند يقول: وفي إسناده ضعف؟
ج: يحتاج إلى تأمل في السند، تعيد السند؟ لكنه ثابت من حديث أبي ذرٍّ في الصحيح، نعم، حدثنا ابن مردويه؟
الطالب: إيه، نعم.
الشيخ: ابن مردويه الغالب على رواياته أنه يكثر فيها الضعيف، سنده، حدثنا؟
الشيخ: الظاهر أنَّ هذا الشيخ ليس بشيءٍ، هو تمام بن نجيح، والذي قبله، مَن الذي قبله؟
الطالب: مبشر بن إسماعيل.
الشيخ: أيش بعده: عن تمام بن نجيح؟
الشيخ: انظر مبشر بن إسماعيل.
مداخلة: في تعليق يا شيخ يقول: كعب بن ذهل هو ..... قال الحافظ الذَّهبي -رحمه الله: لا يُعرف له عن أبي الدَّرداء، وعنه تمام بن نجيح أحد الضُّعفاء، أما تمام .....، وثَّقه يحيى، وقال البخاري: فيه نظر، سمع عمرو بن عبدالله، وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يُتابع عليه الثقات، وهو غير ثقة. وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث. انتهى. "مختصر الميزان".
الشيخ: هذا مُقبل، حاشية مقبل؟
الطالب: إيه، نعم.
الشيخ: انظر: مبشر.
الطالب: مبشر -بكسر المعجمة الثقيلة- بن إسماعيل، الحلبي، أبو إسماعيل، الكلبي مولاهم، صدوق، من التاسعة، مات سنة مئتين. (الجماعة).
الشيخ: انظر: تمام.
الطالب: تمام بن نجيح، الأسدي، الدمشقي، نزيل حلب، ضعيف، من السابعة. (أبو داود، والترمذي).
وقوله: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ الآية [النساء:111]، كقوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] يعني: أنه لا يُغني أحدٌ عن أحدٍ، وإنما على كل نفسٍ ما عملت، لا يحمل عنها غيرها؛ ولهذا قال تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111] أي: من علمه وحكمته وعدله ورحمته كان ذلك.
ثم قال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا الآية [النساء:112] يعني: كما اتّهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصَّالح، وهو لبيد بن سهل -كما تقدم في الحديث- أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون.
الشيخ: والآية عامّة: كل مَن كسب إثمًا ثم رمى به غيره فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مُبينًا؛ لأنَّه ظلم غيره، والظلم عاقبته وخيمة، يقول ﷺ: اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة، ويقول -جلَّ وعلا- في كتابه العظيم: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19].
فالواجب على المكلف أن يتَّقي الله، وألا يظلم الناس، وإذا ظلم نفسه فليُبادر بالتوبة والرجوع إلى الله، والإنابة إليه، فإن مات على الذنوب وهو مُوحّد مُسلم -سواء كان الذنب زنى أو سرقة أو غير ذلك- فهو تحت مشيئة الله، وهو موعودٌ بالجنة والنَّجاة من النار، وإن دخل النار، وإن عُذِّب فمُنتهاه الجنة؛ لأنَّه مات على التوحيد، وإنما تكون النارُ أبد الآباد لمن أشرك بالله ومات على الشرك، وأما مَن مات على التوحيد والإيمان فإنَّه تحت مشيئة الله إذا كانت له ذنوب ولم يتب منها، كما قال -جلَّ وعلا- في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، قد أجمع أهلُ السُّنة والجماعة على ذلك، وأنَّ مَن مات على شيءٍ من المعاصي فهو تحت مشيئة الله، فإن تاب تاب الله عليه، كما قال -جلَّ وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، هذه الآية في التَّائبين، وأما آية: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فهي في غير التائبين، والله المستعان.
س: إذا كان المظلوم كافرًا؟
ج: ولو كافر، لا بدَّ من ردِّ الحقِّ، والحذر من الظلم: لا مع المسلم، ولا مع الكافر، يجب العدل، والحذر من الظلم مطلقًا، نسأل الله العافية.
س: هل يُؤخذ من سيئات الكافر؟
ج: ظاهر النصوص يقتضي ذلك.
س: قول ربّ العالمين: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]؟
ج: يعني: لا تميلوا إليهم، وتكونوا أصحابًا لهم، وشركاء لهم، ومُعاونين لهم، احذروهم، نعم.
مُداخلة: الذَّهبي وثّق مبشر الحلبي؟
الشيخ: السَّند ضعيف، لو ما فيه إلا تمام يكفي.
مداخلة: كعب بن ذهل، عن أبي الدرداء، يقول: فيه لين؟
الشيخ: سهل.
ثم قال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا الآية، يعني: كما اتّهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصَّالح، وهو لبيد بن سهل -كما تقدم في الحديث- أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون، وقد كان بريئًا، وهم الظّلمة، الخونة، كما أطلع الله على ذلك رسوله ﷺ.
ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عامٌّ فيهم وفي غيرهم ممن اتَّصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم، فعليه مثل عقوبتهم.
وقوله: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ [النساء:113].
الشيخ: قف على الآية، الله المستعان.
