الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
جمعة ٢٨ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. شروح الكتب
  2. 006- سورة الأنعام
  3. تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا..}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا..}

Your browser does not support the audio element.

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام:164].

يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا أَيْ: أَطْلُبُ ربًّا سواه، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، يُربِّيني ويحفظني ويكلؤني وَيُدَبِّرُ أَمْرِي، أَيْ: لَا أَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا أُنِيبُ إِلَّا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شيءٍ ومليكه، وله الخلق والأمر.

ففي هذه الآية الأمر بإخلاص التَّوكل، كما تضمّنت التي قبلها إخلاص العبادة لله وحده لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُقْرَنُ بِالْآخَرِ كثيرًا في القرآن؛ كقوله تعالى مُرشدًا لعباده أن يقولوا له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَقَوْلُهُ: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123]، وَقَوْلُهُ: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [الملك:29]، وَقَوْلُهُ: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل:9]، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

الشيخ: وهذا فيه الجمع بين توحيد الربوبية وتوحيد العبادة، ومن ضمن ذلك توحيد الأسماء والصِّفات، فالمؤمن يعتقد أنَّ الله ربُّه ومالكه، وأنَّه سبحانه المصرِّف لعباده، وعليه التُّكلان، وهو المدبر للأمور، والقاضي للحاجات، والمصرِّف للعباد، وبذلك استحقَّ العبادة؛ ولهذا احتجَّ الربُّ  على الكفَّار بما أقرُّوا به من توحيد الربوبية على ما جحدوه وأنكروه من توحيد العبادة؛ ولهذا قال تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا [الأنعام:164] بعدما بيَّن وجوب إخلاص العبادة له: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162- 163]، ثم قال بعدها: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا، فهو ربي المستحقّ لأن أعبده، وهو ربّ كل شيءٍ ، مالك كل شيءٍ، ومُدبر كل شيءٍ، فهو المستحقّ لأن يُعبد ويُطاع ويُعظم، كونه مالك الجميع، والقاهر فوق عباده، والمتصرف في عباده، بيده ضرّهم ونفعهم، وحياتهم وموتهم، وشدّتهم ورخاؤهم، وغير ذلك بيده، فهو المستحقّ لأن يُعبد؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني: إياك نعبد وحدك، وإياك نستعين؛ لأنَّه المالك القادر: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [الملك:29]، آمَنَّا بِهِ أي: عبدناه وحده، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا؛ لأنَّه مالكنا وربنا: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123]، اعبده لأنَّه المستحقّ للعبادة، وتوكّل عليه لأنَّه مالك كل شيءٍ، بيده الضرّ والنَّفع.

والتوكل: تفويض الأمور إلى الله، والاعتماد عليه فيها، مع القيام بالأسباب، المتوكل: هو الذي يقوم بالأسباب؛ يعبد الله ويُطيعه .....، ومع ذلك يتوكل عليه، يعني: يعتمد عليه، ويعلم أنَّه مُنفذ الأمور وقاضيها والمالك لها، فالعبادة وسيلة لقضاء الحاجات من مالكها والقادر عليها، فمَن أراد أن تُنفذ حاجته وأن يفوز بالسَّعادة فليأتِ بالأول، وهو العبادة: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي إلى آخره، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فالأول هو المقصود، والثاني وسيلة لذلك، فالتَّوكل على الله والاعتراف به والإقرار به، وأنَّه ربُّ العالمين، وعدم التَّشريك في ذلك هو الدَّليل والحُجَّة على الأول؛ على إخلاص العبادة لله وحده.

وفي ضمن ذلك الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى؛ لأنَّه كان ربًّا بسبب ما اتَّصف به من القُدرة والعلم والحكمة والرحمة والسَّمع والبصر، إلى غير ذلك من الصِّفات العظيمة التي بها صار قادرًا على كل شيءٍ، ومُدبِّرًا لكل شيءٍ، بقُدرته العظيمة، وعلمه العظيم الكامل، وحكمته، وسمعه، وبصره، وأنَّه لا تخفى عليه خافية جلَّ وعلا.

فهو الجدير الحقيق بأن يُعبد وحده؛ ولهذا قدم الصِّفات هذه على العبادة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2- 4]، ثم قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، هذا الموصوف هو الذي يُعبد ويُتوكل عليه.

فتوحيد الربوبية مشتملٌ على جميع الأسماء والصِّفات، وكلها في ضمن توحيد العبادة، "لا إله إلا الله" مُتضمنة لجميع الأسماء والصِّفات؛ ولأنَّه سبحانه المالك، القادر، المتصرف في عباده؛ ولهذا استحقَّ أن يكون هو المعبود بالحقِّ.

وَقَوْلُهُ تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَزَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ وَعَدْلِهِ: أَنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تُجَازَى بِأَعْمَالِهَا؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْ خَطِيئَةِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18].

وقوله تَعَالَى: فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه:112]، قَالَ علماءُ التَّفسير: أي: فَلَا يُظْلَمُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَلَا يُهْضَمُ بِأَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۝ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:38- 39]، مَعْنَاهُ: كُلُّ نَفْسٍ مُرْتَهِنَةٌ بِعَمَلِهَا السَّيِّئِ، إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ قَدْ تعود بركةُ أعمالهم الصَّالحة على ذُرياتهم وقراباتهم، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] أي: ألحقنا بهم ذُريتهم فِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَمَا أَلَتْنَاهُمْ أَيْ: أَنْقَصْنَا أُولَئِكَ السَّادَةَ الرُّفَعَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا حَتَّى سَاوَيْنَاهُمْ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَنْقَصُ مِنْهُمْ مَنْزِلَةً، بَلْ رفعهم تعالى إلى منزلة الْآبَاءِ بِبَرَكَةِ أَعْمَالِهِمْ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ.

الشيخ: وهذا من جوده وكرمه؛ كونه سبحانه يرفع الأولادَ إلى منازل الآباء والأمّهات رحمةً منه سبحانه، وفضلًا منه، وجزاءً للوالدين على أعمالهم الطَّيبة: أن يقرّ أعينهم بأن يكون أولادُهم معهم، ما داموا مُؤمنين مُسلمين يرفعهم سبحانه حتى يكونوا مع آبائهم، حتى تقرَّ أعينهم بهم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: ما نقصنا الوالدين، ما نقصهم، بل رفعهم سبحانه، ولكنَّه زاد في أجر الأولاد، ورفع الأولاد من أجل الوالدين، من أجل أعمال الوالدين وإخلاصهم وصدقهم جعل من أجلهم وجعل من ثوابهم أن يرفع إليهم أولادهم الذين ماتوا على الإسلام والإيمان.

س: المراد بالذُّرية .......؟

ج: نعم، نعم، ظاهر النَّص العموم: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، أمَّا الصِّغار فماتوا على الفطرة، وهم تابعون لآبائهم أيضًا، ماتوا على الفطرة، وهم من أهل الجنة، لكن حتى الكبار الذين دخلوا الجنةَ بالإيمان الله يرفعهم إلى والديهم؛ لأنَّ قوله: ذُرِّيَّتُهُمْ عامٌّ، يعمّ المكلَّفين وغير المكلَّفين، وقوله: بِإِيمَانٍ يعمّ الإيمانَ الفطري والإيمان التَّبعي والإيمان الكسبي، يعمّ الجميع.

س: ............؟

ج: يُرجى أن يرفع اللهُ الآباءَ إليه، يُرجى، قال بعضُ السَّلف: استنبط من هذا أن يرفع الآباء إلى درجة الأبناء الذين هم أرفع، كما رفع الأولادَ إلى درجة الوالدين، يُرجى منه سبحانه أيضًا أن يرفع الوالدين إلى درجة الأولاد الذين هم أرفع منهم؛ حتى تقرّ أعينهم بهم، وتقرّ أعين الأولاد بوالديهم أيضًا، وليس ببعيدٍ على الله ، هذا من جنس هذا، فالأقرب والله أعلم أنَّ رفعَ الأولاد إلى الوالدين للتَّنبيه على العكس: رفع الآباء والأمّهات إلى الأولاد.

ثُمَّ قَالَ: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] أَيْ: مِنْ شَرٍّ.

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام:164] أَيِ: اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ [هود:121] عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَسَتُعْرَضُونَ وَنُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَيُنْبِئُنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَعْمَالِنَا وَأَعْمَالِكُمْ، وَمَا كُنَّا نَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الدَّار الدنيا، كقوله: قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۝ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ:25- 26].

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165].

يَقُولُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ أي: جعلكم تعمرونها جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَخَلَفًا بعد سلفٍ. قاله ابن زيد وغيره، كقوله تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف:60]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ [النمل:62]، وَقَوْلِهِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، وَقَوْلِهِ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129].

وَقَوْله: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أَيْ: فَاوَتَ بَيْنَكُمْ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْمَسَاوِئِ وَالْمَنَاظِرِ وَالْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ، كقوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف:32]، وقوله: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء:21].

الشيخ: وهذا من الدَّلائل على حكمته العظيمة، وعلمه العظيم، وقُدرته الكاملة: أن فاوت بينهم، ورفع بعضهم فوق بعضٍ درجات في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا هم مُتفاوتون في العلوم والأفهام والأخلاق والصور، وغير ذلك، وفي الآخرة كذلك منازلهم مختلفة، ونعيمهم مختلف، وإن كانوا كلّهم في سرورٍ، أهل الجنَّة في سرورٍ، وأهل النَّار في عذابٍ، لكنَّهم مُتفاوتون، وهو الحكيم العليم جلَّ وعلا.

وفي ذلك حفز المؤمن على المسابقة إلى الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، وأنَّه بذلك يزداد عند الله رفعةً ودرجةً ومنزلةً، وفي ذلك أيضًا تحذيرٌ لأصحاب المعاصي وأصحاب الكفر، وأنَّ المعاصي كلما زادت وكلما زاد الكفرُ زاد البلاءُ وزاد العذابُ، نسأل الله العافية.

وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ أَيْ: لِيَخْتَبِرَكُمْ فِي الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ وَامْتَحَنَكُمْ بِهِ؛ لِيَخْتَبِرَ الْغَنِيَّ فِي غِنَاهُ وَيَسْأَلهُ عَنْ شُكْرِهِ، وَالْفَقِيرَ في فقره ويسأله عن صبره.

وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ مَاذَا تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كانت في النِّساء.

وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ترهيبٌ وترغيبٌ أنَّ حسابَه وعقابَه سريعٌ فيمَن عَصَاهُ وَخَالَفَ رُسُلَهُ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ وَالَاهُ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ خبرٍ وطلبٍ.

وقال محمدُ بن إسحاق: ليرحم الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حاتم.

وكثيرًا ما يقرن اللهُ تعالى في القرآن بين هاتين الصِّفتين: كقوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6]، وَقَوْله: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49- 50]، إِلَى غيرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَتَارَةً يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ وَصِفَةِ الْجَنَّةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا لَدَيْهِ، وَتَارَةً يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ بِالرَّهْبَةِ وَذِكْرِ النَّارِ وَأَنْكَالِهَا وَعَذَابِهَا وَالْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، وَتَارَةً بهما لِيَنْجَعَ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ.

جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ أَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَرَكَ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَصَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، جَوَادٌ كَرِيمٌ وَهَّابٌ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا: أنَّ رسول الله ﷺ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ من العقوبةِ ما طمع بجنَّته أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ من الرَّحمة ما قنط أحدٌ من الجنَّة، خَلَقَ اللَّهُ مِئَةَ رَحْمَةٍ، فَوَضَعَ وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ يَتَرَاحَمُونَ بِهَا، وَعِنْدَ اللَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ الدَّراوردي، عن العلاء به، وقال: حسنٌ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ –ثَلَاثَتِهِمْ- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جعفرٍ، عن العلاء.

وعنه أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لما خلق اللهُ الخلقَ كتب في كتابٍ فهو عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي.

وعنه أيضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: جعل اللهُ الرحمةَ مئةَ جزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائقُ، حتى ترفع الدَّابَّةُ حافرَها عن ولدِها خشيةً من أن تُصيبه رواه مسلم.

الشيخ: وهذا من رحمته جلَّ وعلا وإحسانه إلى عباده: أن رغَّبهم ورهَّبهم حتى يتوبوا إليه ويُنيبوا؛ رجاء رحمته وإحسانه، وخوفَ عقابه ونقمته، وهو سبحانه الغفور الرحيم، وهو سبحانه شديد العقاب، فلا يجوز للعبد أن يأمن مكرَه، ولا يجوز له أيضًا أن يقنط من رحمته، بل يجب أن يسير إلى الله بين هذا وهذا، فإنَّ الرحمةَ بين الرجاء والخوف، وإذا غلَّب جانبَ الخوف في الصحّة كان ذلك أنفع، كما قال جمعٌ من السلف، وفي حال المرض يُغلِّب جانبَ حُسن الظنِّ؛ لقوله ﷺ: لا يموتَنَّ أحدٌ منكم إلا وهو يُحْسِن ظنّه بالله.

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49- 50]، فمَن مال إلى القنوط فقد غلط وساء ظنّه، ومَن مال إلى الأمن فقد قنط.

فالواجب الحذر، وأن يكون بين الخوف والرجاء لعله ينجو، فالخوف يحمله على الحذر من السّيئات والتَّساهل، والرجاء يحمله على المسارعة إلى الطَّاعات والاستقامة عليها، والوقوف عند حدود الله.

أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلس
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
Share via Email
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه