الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
خميس ٢٧ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. شروح الكتب
  2. 003- سورة آل عمران
  3. تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

Your browser does not support the audio element.

وقوله تعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [آل عمران:162] أَيْ: لَا يَسْتَوِي مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ فِيمَا شَرَعَهُ فَاسْتَحَقَّ رِضْوَانَ اللَّهِ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ، وَأُجِيرَ مِنْ وَبِيلِ عِقَابِهِ، وَمَنِ اسْتَحَقَّ غَضَبَ اللَّهِ وَأُلْزِمَ بِهِ فَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، وَمَأْوَاهُ يوم القيامة جهنم وبئس المصير.

وهذه الآية لها نظائر كثيرة في القرآن، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى [الرعد:19]، وَكَقَوْلِهِ: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [القصص:61].

الشيخ: وهذا تحريضٌ من ربِّنا  لعباده على اتِّباع ما يُرضيه، والاستقامة على طاعته، والحذر من أسباب سخطه، فإنَّه لا يستوي مَن اتَّبع رضوان الله واستحقَّ الجنة والكرامة بمَن حاد عن سبيل الله فاستحقَّ من الله الغضب وسوء المصير، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء؛ ولهذا قال : أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يعني: لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، قال تعالى: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20].

فجديرٌ بالعاقل أن يحرص على أسباب السَّعادة، وعلى الوسائل التي تُقربه من رضوان الله، ويستحقّ بها فضلًا من الله، والفوز بكرامته، وأن يحذر الأسبابَ التي تُبعده من رحمة الله، وتُوجب له سخطه، فالاستقامة على توحيد الله وطاعته والتَّواصي بذلك والتَّناصح بذلك هذا هو سبيل السَّعادة، وهذا هو سبيل النَّجاة من النَّار، والإعراض عن هذا، وإعطاء النفس هواها، ومُتابعة أصحاب الرَّدى هذا هو سبيل الهلاك، وسبيل الشَّقاء.

وهذه الدار هي دار الابتلاء والامتحان، وهي دار العمل، وهي دار المجاهدة، فلا بدَّ من صبرٍ على جهاد النفس وجهاد العدو، ولا بدَّ من صبرٍ على أداء الحقِّ، وصبرٍ عن ترك الباطل، يقول سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، ويقول: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، ويقول جلَّ وعلا: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، قال أهلُ العلم: معناه بالنِّعَم وبالمصائب، بلوناهم: اختبرناهم بالنِّعَم والخيرات والصحّة، وابتلاهم أيضًا بالسّيئات: بالمصائب؛ كالأمراض والجراحات والفقر ونحو ذلك، فإنَّ الحسنةَ تُطلق على الطَّاعات وما يحصل بها من الخير، وتُطلق على النِّعَم التي يمنّ اللهُ بها على عباده ويبتليهم بها، وهكذا السّيئات تُطلق على المعاصي، وتُطلق على المصائب التي يُبتلى بها العبدُ في هذه الدَّار: هل يصبر؟ وهل يحتسب؟ وهل يجزع؟

فالحازم والبصير هو الذي يُحاسِب نفسه ويُجاهدها في هذه الدار حتى تستقيم على المنهج القويم، حتى تلتزم بطاعة الله ورسوله، حتى تبتعد عن أسباب الهلاك، وذلك بتوفيق الله، يحمد العاقبة، عند الصباح يحمد القوم السُّرَى، وهكذا بعد الممات يحمد القوم التقى، ويفرحون بنعمة الله وإحسانه.

ثم قال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:163].

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: يَعْنِي: أَهْلُ الْخَيْرِ وَأَهْلُ الشَّرِّ دَرَجَاتٌ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ: مَنَازِلُ، يَعْنِي: مُتَفَاوِتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، ودركاتهم في النَّار، كقوله تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأحقاف:19]؛ ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران:163] أَيْ: وَسَيُوَفِّيهِمْ إِيَّاهَا، لَا يَظْلِمُهُمْ خَيْرًا، وَلَا يَزِيدُهُمْ شَرًّا، بَلْ يُجازي كلَّ عاملٍ بعمله.

وقوله تَعَالَى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164] أَيْ: مِنْ جِنْسِهِمْ؛ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ مُخَاطَبَتِهِ وَسُؤَالِهِ وَمُجَالَسَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] أَيْ: مِنْ جِنْسِكُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّما إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110]، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:20]، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109]، وَقَالَ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الأنعام:130]، فَهَذَا أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَانِ أَنْ يَكُونَ الرسولُ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ مُخَاطَبَتَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ فِي فهم الكلامِ عنه؛ ولهذا قال تعالى: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَيُزَكِّيهِمْ أَيْ: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ لِتَزْكُوَ نُفُوسُهُمْ وَتَطْهُرَ مِنَ الدَّنَسِ وَالْخَبَثِ الَّذِي كَانُوا مُتَلَبِّسِينَ بِهِ فِي حَالِ شِرْكِهِمْ وَجَاهِلِيَّتِهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذَا الرَّسُولِ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164] أَيْ: لَفِي غَيٍّ وَجَهْلٍ ظَاهِرٍ جَلِيٍّ بيِّنٍ لكل أحدٍ.

الشيخ: وهذا من نعمة الله وفضله على عباده: أن جعل الرسلَ من أنفسهم، بشرًا مثلهم، يعرفون أنسابهم وصفاتهم الحميدة وأعمالهم المجيدة وصدقهم؛ حتى يستفيدوا، وحتى يطمئنّوا، وحتى يُراجعوهم فيما أشكل عليهم، هذا من رحمة الله؛ ولهذا قال : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164]، ولو شاء لجعلهم من غيرهم: ملكًا أو جنسًا آخر، ولكن الله جعلهم من أنفسهم، من بني آدم، يعرفون صدقه وأمانته، ومدخله ومخرجه، وآباءه، يعرفون ذلك حتى يستفيدوا ويسألوا ويطمئنّوا إلى ما يقول لهم، وإلى ما يُعلّمهم ويُوجّههم إليه، ويتلو عليهم آيات الله –القرآن- ويُزكِّيهم بما يُعلّمهم الأعمال الصَّالحة والأخلاق الكريمة، وما ينهاهم عنه من السّيئات والأعمال السَّيئة الذَّميمة.

وهكذا يقول جلَّ وعلا في آخر سورة التوبة: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، مَنَّ اللهُ على المسلمين به، وجعله من أنفسهم، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ما مصدرية، يعني: يشقّ عليه عنتكم، يعني: يعزّ، يشقّ عليه كلّ ما يشقّ عليكم ويُؤذيكم، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ يعني: حريص على هدايتكم ونجاتكم من النار، حريص على كلِّ ما ينفعكم، على كلِّ ما يدفع الضَّرر عنكم، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، بخلاف أهل الكفر والنِّفاق؛ فإنه يغلظ عليهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73] يعني: إذا امتنعوا من الحقِّ ولم يستقيموا، وإلا فهو أولًا يدعوهم بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن لعلهم يهتدون، فإذا أصرُّوا وعاندوا وظلموا أغلظ لهم، وشدّد عليهم، وقاتلهم.

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ۝ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:165- 168].

يَقُولُ تَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ وَهِيَ مَا أُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قَتْلِ السَّبْعِينَ مِنْهُمْ، قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ قَتِيلًا، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ أَسِيرًا، قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا أَيْ: مِنْ أَيْنَ جَرَى عَلَيْنَا هَذَا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.

الشيخ: وهو سبحانه يُبين في هذه الآيات الحِكَم والأسرار التي من أجلها وقعت وقعة أحدٍ، وأنه سبحانه حكيمٌ عليمٌ في نصره لأوليائه، وإذلاله لأعدائه وهزمه لهم، وهو حكيمٌ أيضًا فيما قد يُديل به الكفّار على المسلمين في بعض الأحيان، كما جرى يوم أحدٍ لحِكَمٍ وأسرارٍ بيَّنها سبحانه عظيمة، هذه الإدالة وهذا الجراح والقتل الذي جرى يوم أحدٍ في المسلمين لم يكن إلا عن حِكَمٍ وأسرارٍ وأسبابٍ اقتضتها تلك الأمور، وهو سبحانه الحكيم العليم، فجميع أقواله وأعماله عن الحكمة التي قد يعلمها العباد، وقد يخفى عليهم بعضها: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]، وهو سبحانه لا يعبث: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]، ويقول جلَّ وعلا: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا [المؤمنون:115].

وهو الحكيم العليم جلَّ وعلا، فبسبب ما جرى يوم أحدٍ من الفشل والنِّزاع وإخلال الرُّماة بالموقف حصل ما حصل: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، ثم بيَّن الحِكَم الأخرى كقوله: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:166] الصَّادقين، الصَّابرين، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا [آل عمران:167] الذين يُظهرون الإيمانَ وهم غير صادقين، فهو سبحانه حكيمٌ عليمٌ فيما يقضيه ويُقدّره من نصرٍ وهزيمةٍ، ومن قتلٍ وجراحٍ، ومن غير ذلك مما قد يقع على المسلمين وعلى غيرهم في يوم أحدٍ وفي غيره.

قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أَبِي: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حدَّثنا قراد أبو نُوحٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ؛ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عبدِالرحمن بن غزوان -وهو قراد أبو نوح- بإسناده، ولكن بأطول منه.

وهكذا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: حَدَّثَنَا الْحسنُ: حدَّثنا إسماعيلُ بن عُليَّة، عن ابن عونٍ. (ح) قَالَ سُنَيْدٌ، وَهُوَ حُسَيْنٌ.

الشيخ: هذا الأثر فيه نظر؛ كونه من أسماء الفداء فيه نظر؛ لأنَّ الفداء قد عفا اللهُ عنه وأباحه لعباده، وإنما المصيبة جاءت بفشلهم ونِزاعهم وإخلالهم بالموقف، ولحِكَمٍ ذكرها  أخرى، هذا الأثر فيه نظر، في صحّته نظر عن عمر، عن النبي ﷺ.

مداخلة: عبدالرحمن بن غزوان -بمُعجمة مفتوحة وزاي ساكنة- الضّبي، أبو نوح، المعروف بقُرَّاد -بضم القاف وتشديد الرَّاء- ثقة، له أفراد، من التاسعة، مات سنة 87. (البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي).

س: وهشّمت البيضةُ على رأسه؟

ج: الخوذة –يعني- التي يجعلها فوقه عن السّلاح كُسرت بضرب السّيوف.

مداخلة: علَّق المحشي على هذا الأثر، يقول: هذا تأويلٌ مرجوحٌ للآية؛ فإنَّ أخذ المسلمين من أسرى بدرٍ كان اجتهادًا، والمجتهد مأجورٌ وإن أخطأ، وصحيحٌ أنَّ الله.

الشيخ: هو عفا عنهم، وأباح لهم سبحانه، نعم.

مداخلة: ..... ويرجح في تأويل هذه الآية أنها تهون عليهم مُصابهم بأحدٍ، وتُذكّرهم أنهم قد أنزلوا بالمشركين مثليه في بدرٍ، وأنَّ ما أصابهم إنما كان بسبب ما كسبته أيديهم؛ لعصيانهم أمر نبيّهم ﷺ.

الشيخ: هذا هو الصّواب؛ ولهذا قال: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، أما ذاك فقد عُفي عنه؛ ولهذا قال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا [الأنفال:69]، نعم.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: حَدَّثَنَا الْحسنُ: حدَّثنا إسماعيلُ بن عُليَّة، عن ابن عونٍ. (ح) قَالَ سُنَيْدٌ -وَهُوَ حُسَيْنٌ- وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ.

مداخلة: ..........

الشيخ: يعني: عبيدة السَّلماني.

عَنْ عَلِيٍّ  قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمُكَ فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقدمُوا فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، فَذَكَرَ لهم ذلك، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا أَلَا نَأْخُذُ فِدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا، وَيَسْتَشْهِدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ؟ قَالَ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا، عِدَّةَ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسائيُّ والترمذيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْحَفْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.

وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ، وَرَوَى عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] أي: بسبب عِصيانكم لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ فَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي بِذَلِكَ: الرُّمَاةَ.

الشيخ: هذا هو الصّواب، هذا هو الصّواب.

إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] أي: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.
أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلس
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
Share via Email
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه