الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
ثلاثاء ٢٥ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. شروح الكتب
  2. الجواب الكافي
  3. الحب الذي لا ينكر ولا يذم 16

الحب الذي لا ينكر ولا يذم 16

Your browser does not support the audio element.

فَصْلٌ

فَهَذَا الْحُبُّ لَا يُنْكَرُ وَلَا يُذَمُّ، بَلْ هُوَ أَحَمدُ أَنْوَاعِ الْحُبِّ، وَكَذَلِكَ حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّمَا نَعْنِي الْمَحَبَّةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي تَشْغَلُ قَلْبَ الْمُحِبِّ وَفِكْرَهُ وَذِكْرَهُ بِمَحْبُوبِهِ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا يَدْخُلُ الْإِسْلَامَ إِلَّا بِهَا، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ تَفَاوُتًا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، فَبَيْنَ مَحَبَّةِ الْخَلِيلَيْنِ وَمَحَبَّةِ غَيْرِهِمَا مَا بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي تُلَطِّفُ وَتُخَفِّفُ أَثْقَالَ التَّكَالِيفِ، وَتُسَخِّي الْبَخِيلَ، وَتُشَجِّعُ الْجَبَانَ، وَتُصَفِّي الذِّهْنَ، وَتُرَوِّضُ النَّفْسَ، وَتُطَيِّبُ الْحَيَاةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَا مَحَبَّةُ الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِذَا بُلِيَتِ السَّرَائِرُ يَوْمَ اللِّقَاءِ، وَكَانَتْ سَرِيرَةُ صَاحِبِهَا مِنْ خَيْرِ سَرَائِرِ الْعِبَادِ، كَمَا قِيلَ:

سَيَبْقَى لَكُمْ فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا سَرِيرَةُ حُبٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ

وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي تُنَوِّرُ الْوَجْهَ، وَتَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَتُحْيِي الْقَلْبَ، وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ كَلَامِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَةِ حُبِّ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ فَانْظُرْ مَحَبَّةَ الْقُرْآنِ مِنْ قَلْبِكَ، وَالْتِذَاذَكَ بِسَمَاعِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْتِذَاذِ أَصْحَابِ الْمَلَاهِي وَالْغِنَاءِ الْمُطْرِبِ بِسَمَاعِهِمْ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ مَحْبُوبًا كَانَ كَلَامُهُ وَحَدِيثُهُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ كَمَا قِيلَ:

إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ حُبِّي فَلِمَ هَجَرْتَ كِتَابِي؟ أَمَا تَأَمَّلْتَ مَا فِيهِ مِنْ لَذِيذِ خِطَابِي

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ : "لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُنَا لَمَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ"، وَكَيْفَ يَشْبَعُ الْمُحِبُّ مِنْ كَلَامِ مَحْبُوبِهِ وَهُوَ غَايَةُ مَطْلُوبِهِ؟

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَوْلَهُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النِّسَاء:41]، قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَذْرِفَانِ مِنَ الْبُكَاءِ.

وَكَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ أَبُو مُوسَى يَقُولُونَ: يَا أَبَا مُوسَى، ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ، وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ.

فَلِمُحِبِّي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَجْدِ، وَالذَّوْقِ، وَاللَّذَّةِ، وَالْحَلَاوَةِ، وَالسُّرُورِ أَضْعَافُ مَا لِمُحِبِّي السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ ذَوْقَهُ، وَوَجْدَهُ، وَطَرَبَهُ، وَتَشَوُّقَهُ إِلَى سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ دُونَ سَمَاعِ الْآيَاتِ، وَسَمَاعِ الْأَلْحَانِ دُونَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، كَمَا قِيلَ:

تُقْرَأُ عَلَيْكَ الْخَتْمَةُ وَأَنْتَ جَامِدٌ كَالْحَجَرِ وَبَيْتٌ مِنَ الشِّعْرِ يُنْشَدُ تَمِيلُ كَالسَّكْرَانِ.

فَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى فَرَاغِ قَلْبِهِ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِمَحَبَّةِ سَمَاعِ الشَّيْطَانِ، وَالْمَغْرُورُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ.

فَفِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ ﷺ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرَ السَّائِلُ مِنْ فَوَائِدِ الْعِشْقِ وَمَنَافِعِهِ، بَلْ لَا حُبَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنْفَعَ مِنْهُ، وَكُلُّ حُبٍّ سِوَى ذَلِكَ بَاطِلٌ إِنْ لَمْ يُعِنْ عَلَيْهِ بالمحبَّة إليه.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيُبين المؤلف رحمه الله أنَّ حبَّ الله جلَّ وعلا والشوق إليه أصل كل خيرٍ، وأن المحبة تتفاوت في قلوب المؤمنين؛ فمحبة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما أعلى المحبة: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، وقال النبي ﷺ: إنَّ الله قد اتخذني خليلًا كما اتَّخذ إبراهيم خليلًا، والخليل هو المحبوب غاية المحبَّة، فالله جلَّ وعلا هو محبوبهم غاية المحبة، فاتَّخذهم الله أخلاء لكمال حبِّهم لله، وكمال قيامهم بحقِّه .

فهكذا المؤمن كلما قوي حبُّه لله قويت مسارعته إلى الطاعات، وتلذذ بكلام الله، وانشرح صدره لقراءته وسماعه، واشتاق إلى كل ما يُقربه من الله ويُدنيه من رحمته، وكره ما يُبعده من الله من سائر المعاصي، كلما قويت محبَّة الله في القلب قوي الإيمان، وزاد الإيمان، واتَّسع قلب العبد لكل ما يُحبه الله ويرضاه، وكره كلَّ ما يبغضه الله .

فينبغي للمؤمن أن يعتني بهذا الأمر، وأن يجتهد في كل ما هو من محابِّ الله: من الإكثار من قراءة القرآن، وتعظيمه، والإكثار من سماع الأحاديث عن رسول الله ﷺ، وسماع كلام أهل الخير والصلاح، والعناية بذلك حتى تكون أعماله وأقواله سائرةً على مقتضى محبَّة الله، وهي تُوجب على العبد كمال الذل لله، وكمال المسارعة إلى مراضيه، وكمال الوقوف عند حدوده.

فليحذر المؤمن أن يشغل قلبه بغير الله، وأن يشغل بالشهوات والملاذ العاجلة؛ فتضيع عليه آخرته، ويندم غاية الندامة، ولكن ليجتهد في حبِّ الله ورسوله، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله، والحذر من كلِّ ما يكرهه الله ورسوله، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، هكذا المؤمن.

وفَّق الله الجميع.

فَصْلٌ

وَأَمَّا مَحَبَّةُ الزَّوْجَاتِ: فَلَا لَوْمَ عَلَى الْمُحِبِّ فِيهَا، بَلْ هِيَ مِنْ كَمَالِهِ، وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرُّوم:21].

فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ سَكَنًا لِلرَّجُلِ، يَسْكُنُ قَلْبُهُ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا خَالِصَ الْحُبِّ، وَهُوَ الْمَوَدَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالرَّحْمَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عُقَيْبَ ذِكْرِهِ مَا أُحِلَّ لَنَا مِنَ النِّسَاءِ وَمَا حُرِّمَ مِنْهُنَّ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۝ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ۝ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النِّسَاء:26- 28].

ذَكَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى النِّسَاءِ لَمْ يَصْبِرْ.

وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى زَيْنَبَ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَقَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ فَوَائِدَ:

مِنْهَا: الْإِرْشَادُ إِلَى التَّسَلِّي عَنِ الْمَطْلُوبِ بِجِنْسِهِ، كَمَا يَقُومُ الطَّعَامُ مَكَانَ الطَّعَامِ، وَالثَّوْبُ مَقَامَ الثَّوْبِ.

وَمِنْهَا: الْأَمْرُ بِمُدَاوَاةِ الْإِعْجَابِ بِالْمَرْأَةِ الْمُوَرِّثِ لِشَهْوَتِهَا بِأَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ قَضَاءُ وَطَرِهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَذَلِكَ يَنْقُضُ شَهْوَتَهُ لَهَا، وَهَذَا كَمَا أَرْشَدَ الْمُتَحَابِّينَ إِلَى النِّكَاحِ، كَمَا فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ" مَرْفُوعًا: لَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابِّينَ مِثْلُ النِّكَاحِ.

فَنِكَاحُ الْمَعْشُوقَةِ هُوَ دَوَاءُ الْعِشْقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ دَوَاءً شَرْعًا، وَقَدْ تَدَاوَى بِهِ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَرْتَكِبْ نَبِيُّ اللَّهِ مُحَرَّمًا، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَضَمَّهَا إِلَى نِسَائِهِ لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ بِحَسَبِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَلَا يَلِيقُ بِنَا الْمَزِيدُ عَلَى هَذَا.

وَأَمَّا قِصَّةُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: فَزَيْدٌ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَلَمْ تُوَافِقْهُ، وَكَانَ يَسْتَشِيرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي فِرَاقِهَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُ بِإِمْسَاكِهَا، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ مُفَارِقُهَا لَا بُدَّ، فَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا إِذَا فَارَقَهَا زَيْدٌ، وَخَشِيَ مَقَالَةَ النَّاسِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُرِيدُ أَنْ يُشَرِّعَ شَرْعًا عَامًّا فِيهِ مَصَالِحُ عِبَادِهِ، فَلَمَّا طَلَّقَهَا زَيْدٌ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ، أَرْسَلَهُ إِلَيْهَا يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، فَجَاءَ زَيْدٌ وَاسْتَدْبَرَ الْبَابَ بِظَهْرِهِ، وَعَظُمَتْ فِي صَدْرِهِ لَمَّا ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنَادَاهَا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ: يَا زَيْنَبُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُكِ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، وَقَامَتْ إِلَى مِحْرَابِهَا فَصَلَّتْ، فَتَوَلَّى اللَّهُ  نِكَاحَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَفْسِهِ، وَعَقَدَ النِّكَاحَ لَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَجَاءَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الْأَحْزَاب:37].

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِوَقْتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِذَلِكَ، وَتَقُولُ: أَنْتُنَّ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، فَهَذِهِ قِصَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ زَيْنَبَ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ قَدْ حُبِّبَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ ﷺ: حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ، هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ، لَا مَا يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ"، زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ "الزُّهْدِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُنَّ.

وَقَدْ حَسَدَهُ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا هَمَّهُ إِلَّا النِّكَاحُ، فَرَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ رَسُولِهِ ﷺ وَنَافَحَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النِّسَاء:54].

وَهَذَا خَلِيلُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ؛ كَانَ عِنْدَهُ سَارَّةُ، أَجْمَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَأَحَبَّ هَاجَرَ وَتَسَرَّى بِهَا.

وَهَذَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، فَأَحَبَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَتَزَوَّجَهَا فَكَمَّلَ الْمِئَةَ.

وَهَذَا سُلَيْمَانُ ابْنُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ كَانَ يَطُوفُ فِي اللَّيْلَةِ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً.

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَالَ عَنْ خَدِيجَةَ: إِنِّي رُزِقْتُ حُبَّهَا.

فَمَحَبَّةُ النِّسَاءِ مِنْ كَمَالِ الْإِنْسَانِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً".

وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ يَوْمَ جَلُولَاءَ جَارِيَةٌ كَأَنَّ عُنُقَهَا إِبْرِيقٌ مِنْ فِضَّةٍ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: "فَمَا صَبَرْتُ عَنْهَا أَنْ قَبَّلْتُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ".

وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ الْمَسْبِيَّةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ انْفِسَاخَ الْمِلْكِ لَا يُتَوَهَّمُ فِي الْمَسْبِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ؛ فَقَدْ يَنْفَسِخُ فِيهَا الْمِلْكُ، فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِأَمَةِ غَيْرِهِ.

وَقَدْ شَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَاشِقٍ أَنْ تُوَاصِلَهُ مَعْشُوقَتُهُ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ، فَأَبَتْ، وَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُغِيثٍ وَبَرِيرَةَ لَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ يَمْشِي خَلْفَهَا وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ رَاجَعْتِيهِ؟ فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا أَشْفَعُ، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، فَقَالَ لِعَمِّهِ: يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِهَا لَهُ؟ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ حُبَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسَاوِي بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ يَعْنِي: فِي الْحُبِّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النِّسَاء:129] يَعْنِي: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ.

وَلَمْ يَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالرُّحَمَاءُ مِنَ النَّاسِ يَشْفَعُونَ لِلْعُشَّاقِ إِلَى مَعْشُوقِهِمُ الْجَائِزِ وَصْلُهُنَّ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ ؛ أُتِيَ بِغُلَامٍ مِنَ الْعَرَبِ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ: مَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: لَسْتُ بِسَارِقٍ، وَلَكِنِّي أَصْدُقُكَ:

تَعَلَّقْتُ فِي دَارِ الرِّيَاحِيِّ خُودَةً يَذِلُّ لَهَا مِنْ حُسْنِ مَنْظَرِهَا الْبَدْرُ
لَهَا فِي بَنَاتِ الرُّومِ حُسْنٌ وَمَنْظَرٌ إِذَا افْتَخَرَتْ بِالْحُسْنِ خَافَتهَا الْفَخْرُ
فَلَمَّا طَرَقْتُ الدَّارَ مِنْ حَرِّ مُهْجَتِي أَبَيْتُ وَفِيهَا مِنْ تَوَقُّدِهَا الْجَمْرُ
تَبَادَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِي ثُمَّ صَيَّحُوا هُوَ اللِّصُّ مَحْتُومًا لَهُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ

فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ  شِعْرَهُ رَقَّ لَهُ، وَقَالَ لِلْمُهَلَّبِ بْنِ رَبَاحٍ: اسْمَحْ لَهُ بِهَا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَلْهُ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: النَّهَّاسُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: خُذْهَا فَهِيَ لَكَ.

وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ جَارِيَةً فَأُعْجِبَ بِهَا إِعْجَابًا شَدِيدًا، فَسَمِعَهَا يَوْمًا تُنْشِدُ أَبْيَاتًا مِنْهَا:

وَفَارَقْتُهُ كَالْغُصْنِ يَهْتَزُّ فِي الثَّرَى طَرِيرًا وَسِيمًا بَعْدَمَا طَرَّ شَارِبُه

فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا تُحِبُّ سَيِّدَهَا، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ وَفِي قَلْبِهِ مِنْهَا.

وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي رَبِيعَةَ أَنَّ زُبَيْدَةَ قَرَأَتْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى حَائِطٍ:

أَمَا فِي عِبَادِ اللَّهِ أَوْ فِي إِمَائِهِ كَرِيمٌ يُجْلِي الْهَمَّ عَنْ ذَاهِبِ الْعَقْلِ
لَهُ مُقْلَةٌ أَمَّا الْأَمَاقِي قَرِيحَةٌ وَأَمَّا الْحَشَا فَالنَّارُ مِنْهُ عَلَى رِجْلِ

فَنَذَرَتْ أَنْ تَحْتَالَ لِقَائِلِهَا إِنْ عَرَفَتْهُ حَتَّى تَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُحِبُّهُ، فَبَيْنَا هِيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ إِذْ سَمِعَتْ مَنْ يُنْشِدُهُمَا، فَطَلَبَتْهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَهُمَا فِي ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ نَذَرَ أَهْلُهَا أَنْ لَا يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ، فَوَجَّهَتْ إِلَى الْحَيِّ، وَمَا زَالَتْ تَبْذُلُ لَهُمُ الْمَالَ حَتَّى زَوَّجُوهَا مِنْهُ، وَإِذَا الْمَرْأَةُ أَعْشَقُ لَهُ مِنْهُ لَهَا، فَكَانَتْ تَعُدُّهُ مِنْ أَعْظَمِ حَسَنَاتِهَا، وَتَقُولُ: مَا أَنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّ مِنِّي مِنْ جَمْعِي بَيْنَ ذَلِكَ الْفَتَى وَالْفَتَاةِ.

وَقَالَ الْخَرَائِطِيُّ: وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ يَتَحَابَّانِ، فَكَتَبَ الْغُلَامُ إِلَيْهَا يَوْمًا:

وَلَقَدْ رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّمَا عَاطَيْتِنِي مِنْ رِيقِ فِيكِ الْبَارِدِ
وَكَأَنَّ كَفَّكِ فِي يَدِي وَكَأَنَّنَا بِتْنَا جَمِيعًا فِي فِرَاشٍ وَاحِدِ
فَطَفِقْتُ يَوْمِي كُلَّهُ مُتَرَاقِدًا لِأَرَاكِ فِي نَوْمِي وَلَسْتُ بِرَاقِدِ

فَأَجَابَتْهُ الْجَارِيَةُ:

خَيْرًا رَأَيْتَ وَكُلُّ مَا أَبْصَرْتَهُ سَتَنَالُهُ مِنِّي بِرَغْمِ الْحَاسِدِ
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُعَانِقِي فَتَبِيتُ مِنِّي فَوْقَ ثَدْيٍ نَاهِدِ
وَأَرَاكَ بَيْنَ خَلَاخِلِي وَدَمَالِجِي وَأَرَاكَ فَوْقَ تَرَائِبِي وَمَجَاسِدِي

فَبَلَغَ سُلَيْمَانَ ذَلِكَ فَأَنْكَحَهَا الْغُلَامَ وَأَحْسَنَ حَالَهُمَا عَلَى فَرْطِ غَيْرَتِهِ.

وَقَالَ جَامِعُ بْنُ بِرْخِيَّةَ:

سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ مُفْتِي الْـ ـمَدِينَةِ: هَلْ فِي حُبٍّ دَهَماء مِنْ وِزْرٍ؟
فَقَالَ سَعِيدٌ بْن الْمُسَيَّبِ: إِنَّمَا تُلَامُ عَلَى مَا تَسْتَطِيعُ مِنَ الْأَمْرِ

فَقَالَ سَعِيدٌ: وَاللَّهِ مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ هَذَا، وَلَوْ سَأَلَنِي مَا كُنْتُ أُجِيبُ إِلَّا بِهِ.

أَقْسَامُ عِشْقِ النِّسَاءِ

فَعِشْقُ النِّسَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَهُوَ عِشْقُ امْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ، وَهَذَا الْعِشْقُ نَافِعٌ؛ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى الْمَقَاصِدِ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ لَهَا النِّكَاحَ، وَأَكَفُّ لِلْبَصَرِ وَالْقَلْبِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ وَلِهَذَا يُحْمَدُ هَذَا الْعَاشِقُ عِنْدَ اللَّهِ، وَعِنْدَ النَّاسِ.

وَعِشْقٌ هُوَ مَقْتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَبُعْدٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَهُوَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَهُوَ عِشْقُ الْمُرْدَانِ، فَمَا ابْتُلِيَ بِهِ إِلَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ، وَطُرِدَ عَنْ بَابِهِ، وَأُبْعِدَ قَلْبُهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجُبِ الْقَاطِعَةِ عَنِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا سَقَطَ الْعَبْدُ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ ابْتَلَاهُ بِمَحَبَّةِ الْمُرْدَانِ. وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي جَلَبَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ مَا جَلَبَتْ، فَمَا أُتُوا إِلَّا مِنْ هَذَا الْعِشْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحِجْر:72].

وَدَوَاءُ هَذَا الدَّاءِ: الِاسْتِعَانَةُ بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَصِدْقُ اللَّجَأ إِلَيْهِ، وَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِهِ، وَالتَّعْوِيضُ بِحُبِّهِ وَقُرْبِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي الْأَلَمِ الَّذِي يُعْقِبُهُ هَذَا الْعِشْقُ، وَاللَّذَّةُ الَّتِي تَفُوتُهُ بِهِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ أَعْظَمِ مَحْبُوبٍ، وَحُصُولُ أَعْظَمِ مَكْرُوهٍ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ نَفْسُهُ عَلَى هَذَا وَآثَرَتْهُ فَلْيُكَبِّرْ عَلَى نَفْسِهِ تَكْبِيرَ الْجِنَازَةِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْبَلَاءَ قَدْ أَحَاطَ بِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْعِشْقُ الْمُبَاحُ، وَهُوَ الْوَاقِعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَعِشْقِ مَنْ وُصِفَتْ لَهُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ، أَوْ رَآهَا فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا، وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ ذَلِكَ الْعِشْقُ مَعْصِيَةً، فَهَذَا لَا يُمْلَكُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالْأَنْفَعُ لَهُ مُدَافَعَتُهُ، وَالِاشْتِغَالُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُ، وَيَجِبُ الْكَتْمُ وَالْعِفَّةُ وَالصَّبْرُ فِيهِ عَلَى الْبَلْوَى، فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعَوِّضُهُ عَلَى صَبْرِهِ لِلَّهِ وَعِفَّتِهِ، وَتَرْكِهِ طَاعَةَ هَوَاهُ، وَإِيثَارِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فقد أوضح المؤلفُ رحمه الله في هذه الكلمات ما يتعلق بالعشق، وما يحرم منه، وما يُباح، وأن الرجل قد يُبتلى بالعشق فيما حرَّم الله، وفيما أحلَّ الله، فمَن كان عشقه فيما أحلَّ الله من زوجته وملك يمينه فهذا شيء محبوب إلى الله، ومن أسباب العفَّة لهما جميعًا، ومن أسباب السلامة وعدم التَّطلع إلى الغير، وهذا وقع لكثيرٍ من الناس: محبة الرجل لأهله؛ لأنها وافقت أخلاقه، ووافقت سيرته، فهذا مما أحبَّه الله: كمحبة النبي لأزواجه ولعائشة بوجهٍ أخص، وكما جرى لسليمان وداود وغيرهم، فالمحبة للزوجة أو محبته لامرأةٍ ذُكرت له فخطبها وتزوَّجها كل هذا لا بأس به؛ لأنه من أسباب العفَّة، ومن أسباب السلامة، ومن أسباب ثبات القلب وراحة الضمير، ومن أسباب وجود الذرية.

أما العشق الثاني فهو ما يتعلق بعشق الصور المحرمة: كعشق المردان، عشق المردان هذا من أقبح المحرمات، ومن أقبح السيئات، وهو عمل قوم لوطٍ الذين خسف الله بهم الأرض وأهلكهم؛ لما عندهم من الكفر بالله وعشق المردان وتعاطي اللواط -نعوذ بالله من ذلك- فهذا من أقبح السيئات، ومن أقبح الكبائر، ومن أسباب البُعد من الله .

الثالث: العشق المباح الذي يقوده إلى الزواج الشرعي، هذا لا بأس به، عند ذكره امرأةً صالحةً ويخطبها ويتزوجها فهذا لا بأس به، إنما الواجب الحذر مما حرَّم الله، فليتزوج بالطريقة الشرعية ولا حرج، وعليه أن يحذر ما قد يُزينه الشيطان من الاتصال الذي لم يحله جلَّ وعلا، فالله سبحانه إنما أباح لعباده ما شرعه لهم، وجعل فيه الخير لهم، والعاقبة الحميدة من اختيار المرأة الصالحة والنسب الصالح، والحذر من خلاف ذلك.

فالواجب على المؤمن أن يتحرى ما فيه صلاحه، وأن ينظر فيما يخطب، فإذا كانت من ذات الدين وممن ترضاها نفسه خطبها، وصارت في ذلك عفَّة له، ومن أسباب سلامته من شرٍّ كثيرٍ.

والأمر الآخر هو الحذر من التَّعلق بالصور الأخرى التي لم يُبحها الله له، فالتعلق بها أو النظر إليها أو الخلوة بها أو ما يتعاطى أو فعل ما يجرّه إلى محرم هذا هو الذي يحذر منه، وأشد ذلك وأعظمه: عشق المردان الذي فيه الهلاك والدمار، كما أهلك الله قومَ لوطٍ بذلك وبكفرهم. نسأل الله العافية.

فالمؤمن يتحرى في حاجته، يتحرى المرأة الصالحة، والتي تُناسبه في جمالها، وفي نسبها، وفي أخلاقها، يتحرى ذلك، وإذا فعل ما يُوصله إلى ذلك بالطرق الشرعية فهذا هو المطلوب، كما قال ﷺ: تُنكح المرأةُ لأربعٍ: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.

وفَّق الله الجميع.

أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلسShare via Email
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه