الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
ثلاثاء ٢٥ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. شروح الكتب
  2. الجواب الكافي
  3. كمال اللذة في كمال المحبوب وكمال المحبة 15

كمال اللذة في كمال المحبوب وكمال المحبة 15

Your browser does not support the audio element.

فَصْلٌ

وَهاهنا أَمْرٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى اللَّبِيبِ الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ كَمَالَ اللَّذَّةِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ وَابْتِهَاجِ الرُّوحِ تَابِعٌ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَمَالُ الْمَحْبُوبِ فِي نَفْسِهِ وَجَمَاله، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِإِيثَارِ الْمَحَبَّةِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: كَمَالُ مَحَبَّتِهِ، وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي حُبِّهِ، وَإِيثَارُ قُرْبِهِ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّذَّةَ بِحُصُولِ الْمَحْبُوبِ بِحَسَبِ قُوَّةِ مَحَبَّتِهِ، فَكُلَّمَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ أَقْوَى كَانَتْ لَذَّةُ الْمُحِبِّ أَكْمَلَ، فَلَذَّةُ الْعَبْدِ مَنِ اشْتَدَّ ظَمَؤُهُ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ الزُّلَالِ، وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ بِأَكْلِ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ شَوْقِهِ وَشِدَّةِ إِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ.

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاللَّذَّةُ وَالسُّرُورُ وَالْفَرَحُ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ مَقْصُودُ كُلِّ حَيٍّ وَعَاقِلٍ، إِذَا كَانَتِ اللَّذَّةُ مَطْلُوبَةً لِنَفْسِهَا فَهِيَ تُذَمُّ إِذَا أَعْقَبَتْ أَلَمًا أَعْظَمَ مِنْهَا، أَوْ مَنَعَتْ لَذَّةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَجَلَّ، فَكَيْفَ إِذَا أَعْقَبَتْ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ، وَفَوَّتَتْ أَعْظَمَ اللَّذَّاتِ وَالْمَسَرَّاتِ؟ وَتُحْمَدُ إِذَا أَعَانَتْ عَلَى لَذَّةٍ عَظِيمَةٍ دَائِمَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، لَا تَنْغِيصَ فِيهَا وَلَا نَكَدَ بِوَجْهٍ مَا، وَهِيَ لَذَّةُ الْآخِرَةِ وَنَعِيمُهَا وَطِيبُ الْعَيْشِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الْأَعْلَى:16، 17].

وَقَالَ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ لَمَّا آمَنُوا: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72، 73].

وَاللَّهُ  خَلَقَ الْخَلْقَ لِيُنِيلَهُمْ هَذِهِ اللَّذَّةَ الدَّائِمَةَ فِي دَارِ الْخُلْدِ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَمُنْقَطِعَةٌ، وَلَذَّاتُهَا لَا تَصْفُو أَبَدًا وَلَا تَدُومُ، بِخِلَافِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ لَذَّاتِهَا دَائِمَةٌ، وَنَعِيمَهَا خَالِصٌ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ وَأَلَمٍ، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، مَعَ الْخُلُودِ أَبَدًا، وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أَخْفَى اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِيهَا مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، بَلْ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ النَّاصِحُ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ۝ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غَافِر:38، 39]، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الدُّنْيَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ الْمُسْتَقَرُّ.

وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمَهَا مَتَاعٌ وَوَسِيلَةٌ إِلَى لَذَّاتِ الْآخِرَةِ؛ وَلِذَلِكَ خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا، فَكُلُّ لَذَّةٍ أَعَانَتْ عَلَى لَذَّةِ الْآخِرَةِ وَأَوْصَلَتْ إِلَيْهَا لَمْ يُذَمَّ تَنَاوُلُهَا، بَلْ يُحْمَدُ بِحَسَبِ إِيصَالِهَا إِلَى لَذَّةِ الْآخِرَةِ.

رُؤْيَةُ اللَّهِ:

إِذَا عُرِفَ هَذَا فَأَعْظَمُ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَلَذَّاتِهَا: هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَسَمَاعُ كَلَامِهِ مِنْهُ، وَالْقُرْبُ مِنْهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: إِنَّهُ إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ وَرَأَوْهُ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ.

وَفِي النَّسَائِيِّ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي دُعَائِهِ: وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ.

وَفِي كِتَابِ "السُّنَّةِ" لِعَبْدِاللَّهِ ابْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا: كَأَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، إِذَا سَمِعُوهُ مِنَ الرَّحْمَنِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُحَصِّلُ هَذِهِ اللَّذَّةَ هُوَ أَعْظَمُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهِيَ لَذَّةُ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَذَّةُ مَحَبَّتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا الْعَالِي، وَنِسْبَةُ لَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ إِلَيْهِ كَتَفْلَةٍ فِي بَحْرٍ، فَإِنَّ الرُّوحَ وَالْقَلْبَ وَالْبَدَنَ إِنَّمَا خُلِقَ لِذَلِكَ، فَأَطْيَبُ مَا فِي الدُّنْيَا مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، وَأَلَذُّ مَا فِي الْجَنَّةِ رُؤْيَتُهُ وَمُشَاهَدَتُهُ، فَمَحَبَّتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ قُرَّةُ الْعُيُونِ، وَلَذَّةُ الْأَرْوَاحِ، وَبَهْجَةُ الْقُلُوبِ، وَنَعِيمُ الدُّنْيَا وَسُرُورُهَا، بَلْ لَذَّاتُ الدُّنْيَا الْقَاطِعَةُ عَنْ ذَلِكَ تَتَقَلَّبُ آلَامًا وَعَذَابًا، وَيَبْقَى صَاحِبُهَا فِي الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، فَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ إِلَّا بِاللَّهِ.

وَكَانَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ تَمُرُّ بِهِ أَوْقَاتٌ فَيَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ مِثْلِ هَذَا إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ.

وَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَحَبَّةِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ عَلَى قَلْبِ الْمُحِبِّ يَقُولُ فِي حَالِهِ:

وَمَا النَّاسُ إِلَّا الْعَاشِقُونَ ذَوُو الْهَوَى فَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ وَيَعْشَقُ

وَيَقُولُ غَيْرُهُ:

أُفٍّ لِلدُّنْيَا إِذَا مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الدُّنْيَا مُحِبًّا أَوْ حَبِيبا

وَيَقُولُ آخَرُ:

وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي نَعِيمِهَا وَأَنْتَ وَحِيدٌ مُفْرَدٌ غَيْرُ عَاشِقِ

وَيَقُولُ الْآخَرُ:

اسْكُنْ إِلَى سَكَنٍ تَلَذُّ بِحُبِّهِ ذَهَبَ الزَّمَانُ وَأَنْتَ مُنْفَرِدُ

وَيَقُولُ الْآخَرُ:

تَشَكَّى الْمُحِبُّونَ الصَّبَابَةَ لَيْتَنِي تَحَمَّلْتُ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَحْدِي
فَكَانَتْ لِقَلْبِي لَذَّةُ الْحُبِّ كُلُّهَا فَلَمْ يَلْقَهَا قَبْلِي مُحِبٌّ وَلَا بَعْدِي

فَكَيْفَ بِالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَغِذَاءُ الْأَرْوَاحِ، وَلَيْسَ لِلْقَلْبِ لَذَّةٌ وَلَا نَعِيمٌ وَلَا فَلَاحٌ وَلَا حَيَاةٌ إِلَّا بِهَا، وَإِذَا فَقَدَهَا الْقَلْبُ كَانَ أَلَمُهُ أَعْظَمَ مِنْ أَلَمِ الْعَيْنِ إِذَا فَقَدَتْ نُورَهَا، وَالْأُذُنِ إِذَا فَقَدَتْ سَمْعَهَا، وَالْأَنْفِ إِذَا فَقَدَ شَمَّهُ، وَاللِّسَانِ إِذَا فَقَدَ نُطْقَهُ؟ بَلْ فَسَادُ الْقَلْبِ إِذَا خَلَا مِنْ مَحَبَّةِ فَاطِرِهِ وَبَارِئِهِ وَإِلَهِهِ الْحَقِّ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ الْبَدَنِ إِذَا خَلَا مِنْهُ الرُّوحُ، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يُصَدِّقُ بِهِ إِلَّا مَنْ فِيهِ حَيَاةٌ: وَمَا لِجُرْحِ مَيِّتٍ إِيلَامُ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ أَعْظَمَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا هُوَ السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى أَعْظَمِ لَذَّةٍ فِي الْآخِرَةِ، وَلَذَّاتُ الدُّنْيَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

فَأَعْظَمُهَا وَأَكْمَلُهَا: مَا أَوْصَلَ لَذَّةَ الْآخِرَةِ، وَيُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذِهِ اللَّذَّةِ أَتَمَّ ثَوَابٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يُثَابُ عَلَى مَا يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ: مِنْ أَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ، وَلِبَاسِهِ، وَنِكَاحِهِ، وَشِفَاءِ غَيْظِهِ بِقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّهِ، فَكَيْفَ بِلَذَّةِ إِيمَانِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَشَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ، وَطَمَعِهِ فِي رُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ؟

النَّوْعُ الثَّانِي: لَذَّةٌ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْآخِرَةِ، وَتُعْقِبُ آلَامًا أَعْظَمَ مِنْهَا، كَلَذَّةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَيَسْتَمْتِعُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا لَقُوا رَبَّهُمْ: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ۝ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الْأَنْعَام:128، 129].

وَلَذَّةُ أَصْحَابِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالْعُلُوِّ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وَهَذِهِ اللَّذَّاتُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ؛ لِيُذِيقَهُمْ بِهَا أَعْظَمَ الْآلَامِ، وَيَحْرِمَهُمْ بِهَا أَكْمَلَ اللَّذَّاتِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ لِغَيْرِهِ طَعَامًا لَذِيذًا مَسْمُومًا يَسْتَدْرِجُهُ بِهِ إِلَى هَلَاكِهِ، قَالَ تَعَالَى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الْأَعْرَاف:182، 183].

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثْنَا لَهُمْ نِعْمَةً: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ۝ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الْأَنْعَام:44، 45].

وَقَالَ تَعَالَى لِأَصْحَابِ هَذِهِ اللَّذَّةِ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [الْمُؤْمِنُون:55، 56].

وَقَالَ فِي حَقِّهِمْ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التَّوْبَة:55].

وَهَذِهِ اللَّذَّةُ تَنْقَلِبُ آخِرًا آلَامًا مِنْ أَعْظَمِ الْآلَامِ، كَمَا قِيلَ:

مَآرِبُ كَانَتْ فِي الْحَيَاةِ لِأَهْلِهَا عَذَابًا فَصَارَتْ فِي الْمَعَادِ عَذَابًا

النَّوْعُ الثَّالِثُ: لَذَّةٌ لَا تُعْقِبُ لَذَّةً فِي دَارِ الْقَرَارِ وَلَا أَلَمًا، وَلَا تَمْنَعُ أَصْلَ لَذَّةِ دَارِ الْقَرَارِ، وَإِنْ مَنَعَتْ كَمَالَهَا، وَهَذِهِ اللَّذَّةُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي لَا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى لَذَّةِ الْآخِرَةِ، فَهَذِهِ زَمَانُهَا يَسِيرٌ، لَيْسَ لِتَمَتُّعِ النَّفْسِ بِهَا قَدْرٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَشْتَغِلَ عَمَّا هُوَ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ مِنْهَا.

وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي عَنَاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ: كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ.

فَمَا أَعَانَ عَلَى اللَّذَّةِ الْمَطْلُوبَةِ لِذَاتِهَا فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا لَمْ يُعِنْ عَلَيْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد سبق أنَّ المحبة التي بها السعادة هي محبة الله ومحبة ما شرع ومحبة ترك ما نهى عنه، هذه المحبة التي بها السعادة، وكمال المحبة باتصالها بالمحبوب وما يرضيه، فأحب حبيبٍ وأعظم حبيبٍ وأعظم محبوبٍ هو الله وحده، هو المنعم على عباده، المحسن إليهم، فهو أعظم محبوبٍ، وأكمل محبوبٍ، وأكمل المحابّ محبته، أكمل المحابِّ وأعلاها وأرفعها محبته سبحانه، والشوق إليه، والتَّلذذ بطاعته، والحذر من معصيته، والمسارعة إلى مراضيه، هذا هو الحب الصادق، وهذا هو الحب النافع.

فالمحبوب الأعظم هو الله، والمحبة الصادقة التي هي أعظم المحابّ محبته سبحانه، المحبة الصادقة التي تقتضي أداء الواجبات، وترك المحارم، وتقتضي الشوق إليه، والمسارعة إلى مراضيه، هذه هي المحبة النافعة، ويلي ذلك محبة ما أحبَّ، وكراهة ما كره، فإنَّ هذا من محبته، كونه يُحب ما أحبَّ، ويكره ما يكره الرب هذه من محبته، لكن كمالها وتمامها أن يكون ما أحبَّه الله أحبّ إليه مما سواه، كما قال في الحديث الصحيح: ثلاث مَن كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يُحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار.

أما المحبَّة المضادة فهي أسوأ المحبَّات، المحبة المضادة: محبة الأنداد والأوثان والشرك والكفر بالله، هذه المحبة التي تُورد أهلها النار: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، محبة المشركين لأندادهم وأوثانهم ومعبوداتهم من دون الله، هذه المحبة التي أردتهم وأهلكتهم؛ لإيثارهم ما سوى الله على الله حتى عبدوه مع الله، واستغاثوا به، ونذروا له، وصرفوا له العبادة، وقالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ما نعبدهم إلا ليُقربونا إلى الله زُلفى! هذه المحبة الظالمة، هذه المحبة الخاسرة، هذه أسوأ المحبَّات وأقبحها.

أما المحبَّة الثالثة: محبة المباحات؛ كونه يُحب الطعام المناسب، والزوجة المناسبة، واللباس المناسب، هذا لا بأس به ما لم يشغل عن طاعة الله، هذا لا بأس به كما في الحديث الصحيح يقول ﷺ: حُبب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب.

فمحبة الطيب، ومحبة النساء، ومحبة الطعام الملائم، والكسوة الملائمة، والسكن الملائم، هذا كله لا بأس به، ولا يضرّ، ولا يقدح في محبة الله ، ولكن أهم المهمات أن تكون محبتك محبةً صادقةً لما أحبَّه الله، محبة تقتضي إيثار محابّ الله، محبة تقتضي المسارعة إلى مراضيه، تقتضي ترك المعاصي والمناهي، تقتضي الوقوف عند حدود الله، والمحبة في الله، والبغضاء في الله، وإيثار محابّ الله، هذه المحبة المطلوبة، وهذا هو الواجب عليك؛ ولهذا في الحديث الصحيح: لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله أحبَّ إليه مما سواه، لا بدَّ أن يكون الله أحبَّ إليك مما سواه، وهكذا رسوله.

وفي الحديث الآخر: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

فالواجب على المؤمن أن يُحب الله ورسوله المحبة الصادقة، فوق محبة نفسه وأهله وولده، محبة صحيحة صادقة تقتضي إيثار محابه، وأداء فرائضه، وترك محارمه، لا المحبة بالدعوى، المحبة بالدعوى ما تنفعه، المحبة بالدعوى والقيل والقال والرياء ما تنفع. 

المقصود المحبة الصادقة التي تقتضي إيثار محابّه، وتقديم ما شرعه على هواك، وأداء فرائضه، وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه، هذه المحبة الصادقة النافعة المفيدة التي رتَّب الله عليها السعادة والجنة والعافية من كل شرٍّ.

وفَّق الله الجميع لما يُرضيه.

أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلسShare via Email
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه