الشيخ: هذا في أول القرن الثامن، فكيف بحال القرن الخامس العشر؟! الله المستعان، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.
الشيخ: الأصناف أي: في العلماء والأمراء والعُبَّاد، خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، أي: أكثروا الخلط، لا في الصُّوفية وحدهم، ولا في العُبَّاد وحدهم، بل في غالب الطبقات كثر فيهم هذا وهذا: من أُمراء، وحُكَّام، وعُلماء، وعُبَّاد، وتجار، بسبب الجهل وقلَّة العلم.
الشيخ: ومن هذا الباب قوله جلَّ وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]، فيُقدم الصلح بين المتخاصمين والمسلمين، فإذا لم يتيسر الصلح أبت إحدى الطَّائفتين وبغت، تُقاتل لدفع شرِّها، وإنقاذ المسلمين من بلائها، وإن كانت مسلمةً؛ لأنها تعدَّت الحدود؛ ولهذا قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ.
فالصَّائل يُقاتَل إذا لم يندفع شرُّه إلا بالقتال، الصَّائل على الناس، يصول على دمائهم، أو على أموالهم، أو على حريمهم، يُدفع بالتي هي أحسن إذا تيسر، وإذا لم يتيسر إلا بالضرب ضرب، إذا لم يتيسر إلا بالقتل قتل؛ ولهذا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنَّ رجلًا أتى رسولَ الله ﷺ فقال: يا رسول الله، الرجل يأتيني يريد أخذ مالي؟ قال: لا تُعطه مالك، قال: فإن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: فإن قتلتُه؟ قال: فهو في النار؛ لأنه صال عليه وآذاه يريد ماله.
وهذه قاعدة معروفة لها أدلة من هذا الباب وغيره.
س: مثل قُطَّاع الطريق يا شيخ؟
ج: مثل قُطَّاع الطريق، نعم.
س: أحسن الله إليك يا شيخ، ألا يُفهم من قول شيخ الإسلام هنا أنه ربما قد يقترف الإنسانُ بعضَ الأعمال التي في ظاهرها قد تكون مخالفةً، وما وردت في السُّنة، لكن على المدى البعيد هي لها منفعة، مثل: الاجتماع على الذِّكر، الاجتماع قد يكون بحد ذاته غير واردٍ، لكن نتيجة الذِّكر؛ لما فيه من الأمور المعروفة؟
ج: حول هذا المعنى، يعني: قد ينفعهم هذا، لكن ما هو معناه أصل الإباحة، لكن قد يحصل لهم من الفائدة بالنِّسبة إلى ما إذا تركوه انتقلوا إلى ما هو أشرّ منه.
فَإِنَّ غَالبَ رُؤُوس الْمُتَأَخِّرين وغالب الأمة من الْمُلُوك والأمراء والمتكلمين وَالْعُلَمَاء والعُبَّاد وأهل الأموال يَقع غَالِبًا فيهم ذَلِك.
وأما الماشون على طَريقَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فليسوا أكثر الْأُمة، وَلَكِن على هَؤُلَاءِ الماشين على طَريقَة الْخُلَفَاء أن يُعاملوا النَّاس بِمَا أمر اللهُ بِهِ وَرَسُوله من الْعَدْل بَينهم، وإعطاء كل ذِي حقٍّ حَقَّه، وإقامة الْحُدُود بِحَسب الإمكان، إذ الْوَاجِب هُوَ الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَفعله، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَتَركه بِحَسب الإمكان، فَإِذا عجز أتباعُ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عَن ذَلِك قدَّمُوا خير الخيرين حصولًا، وَشرَّ الشَّرين دفعًا، وَالْحَمْد لله ربِّ الْعَالمين.
الشيخ: هذا بحثٌ مهم، وهذا كلامٌ عظيمٌ مختصرٌ، تجب العناية به؛ لأنَّ هذا هو الواجب على خلفاء الرُّسل، خلفاء الرسل هم الخلفاء الراشدون وأتباعهم، وهو القيام بأمر الله، وتنفيذ حكمه، وإقامة الحدود، والصبر على ذلك، وإذا لم يتمكن الخليفة من تنفيذ الأمر كله اعتنى بتقديم خير الخيرين، ودفع شرِّ الشَّرين، فما لا يُدرك جلُّه لا يُترك كله، فهذا على ولي الأمر، وعلى الحاكم، وعلى الآمر والنَّاهي، إذا تعذر عليه دفع الشُّرور كلها، وتحقيق الخيرات كلها، اجتهد أن يُحقق خير الخيرين، وخير الخيرات، وأن يدفع شرَّ الشَّرين، وشرَّ الشرور، الأشد فالأشد، فإنَّ ذلك هو الحكمة، وهو عين المصلحة.
فصل
قَالَ اللهُ تعالى لما أهبط آدم وَمَن مَعَه إلى الأرض: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:38- 39].
وَقَالَ تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:123- 126].
وَقَال: قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:24- 27].
فَأَخْبر سُبْحَانَهُ بنعمته على بني آدم بِمَا أنزله من اللِّبَاس الَّذِي يُواري سوآتهم، وَمن الرِّيش وإنزاله لَهُ، كَمَا قَالَ: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ [الحديد:25]، وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ [الزمر:6].
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ: مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً.
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أنَّ لِبَاس التَّقْوَى خيرٌ من هَذَا اللِّبَاس، كَمَا قَالَ لما أمرهم بالزاد فَقَالَ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، فهما لباسان وزادان.
الشيخ: لأنَّ الشيء يُنبه بمثله وما يُناسبه، فلما بين نعمته عليهم باللباس الذي يستر عوراتهم، ويحصل لهم به الرياش والجمال، نبَّههم على اللباس الأعظم والأكبر الذي يحصل لهم به السَّعادة والنَّجاة في الدنيا والآخرة، والمنازل العالية يوم القيامة، وأنَّ هذا أولى من هذا.
فإذا كان أكثر الخلق يحرص على الأول الذي هو اللباس الحسي؛ لستر العورة والرياش والزينة والجمال، فالواجب أن تكون العناية باللباس الثاني -الذي هو لباس التقوى- أن تكون العناية بهذا أكمل وأشدّ؛ لأنه اللباس الحقيقي الذي يبقى معه أبدًا حتى يرث المنازل العالية في دار الكرامة.
وهكذا الزاد من الطعام والشراب، زاد ونعمة كبيرة من الله على عباده في هذه الأرض، ولكنه يذكرهم بذلك زادًا أعظم، زاد ينفعهم في الدنيا، وينفعهم في الآخرة، وهو زاد التقوى، فلا ينبغي للعاقل أن يشتغل بالزاد الحاضر من الطعام والشراب وما إلى ذلك، وينسى الزاد الأكبر والأعظم الذي له به النجاة بتوفيق الله، وله به الزاد الباقي الدائم الكريم في دار الكرامة، فلا ينبغي أن ينسى مثل هذا الزاد العظيم؛ ولهذا قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ أي: تزودوا لحجِّكم وأسفاركم، واعلموا أنَّ خير الزاد هو التَّقوى.
س: ................؟
ج: الرياش يعني: اللباس الجميل: قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ يعني: عوراتكم، وَرِيشًا [الأعراف:26]، وفي قراءةٍ أخرى: رياشًا ولباسًا يكون جمالًا فوق الثياب، يكون الشيء الجميل غير مجرد ستر العورة، فاللباس لباسان: لباس يحصل به ستر العورة ويُتسامح فيه، ولباس يُقصد به الجمال عند لقاء الأحباب، وعند الضيوف، وفي الجُمَع والأعياد، ونحو ذلك.
الشيخ: وهذا واقعٌ، لا زال الشَّيطان بهم حتى أظهروا عوراتهم الحسية، حتى صاروا يرضون بأن يُظهروا عوراتهم ويُبرزوها بين الناس في الطُّرقات، في بلدان كثيرة، مثلما يصور في هذه الأفلام الخبيثة، يصور الرجل وهو عارٍ، والمرأة وهي عارية، يفعلان الفاحشة من تزيين الشَّيطان -نعوذ بالله- وأعظم من هذا وأقبح أنه زيّن لهم ما هو شقاء لهم في الآخرة، وسبب لنزع لباس التقوى بالكلية، حتى يصيروا إلى النار، نعوذ بالله.
قَالَ تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27]، فَأَخْبر أنَّ الشَّيَاطِين أولياء للَّذين لَا يُؤمنُونَ بهدى الله الَّذِي بعث بِهِ رسلَه، كَمَا قَالَ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:36- 38].
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَان: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82- 83]، قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:41- 42].
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99- 100].
الشيخ: قوله: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27] عموم، وأنَّ العبد متى تساهل في طاعة الشَّيطان واتَّبع هواه بالمعاصي جعل الله أولياءه الشَّياطين؛ من شياطين الإنس والجنّ جميعًا، فإنَّ شيطان الإنس شرّه أكبر وأعظم، فإذا انتهك العبدُ حُرمات الله، واستعمل نفسه في معاصي الله، وهتك ستر الله، قيّضت له الشياطين من إنسٍ وجنٍّ، نسأل الله العافية، فشياطين الجنِّ يُغوونه، ويُزينون له، وشياطين الإنس كذلك يُغوونه، ويُزينون له، ويُعينونه، ويجرُّونه بالفعل، وربما جرّوه بالقوة حتى يصير معهم، نسأل الله العافية.
وَقَالَ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121].
ثمَّ أخبر عَن أولياء الشَّيْطَان الَّذين لَا يُؤمنُونَ فَقَالَ: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].
فَقَوْلهم: وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا يَقْتَضِي أنَّهم مُتدينون بهَا، يرونها عبَادَةً وَطَاعَةً، كَمَا كَانَ مشركو الْعَرَب يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ: لَا نطوف فِي الثِّيَاب الَّتِي عصينا اللهَ فِيهَا. إِلَّا الحمس -قُرَيْش وحُلفاؤها- فَكَانُوا يطوفون فِي ثِيَابهمْ، وَكَانَ غَيرُهم قد يطوف فِي ثِيَاب أحمسي إن حصل لَهُ ذَلِك، وإلا طَاف عُريَانًا، حَتَّى كَانَت الْمَرْأَةُ تَطوف عُرْيَانَة، وَرُبمَا سترت فرجهَا بِيَدِهَا، وَتقول:
| الْيَوْم يَبْدُو بعضُه أو كُله | وَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله |
وَكَانَ مَن طَاف فِي ثِيَابه من الحمس ألقاها، فسُميت: لقى. وَحرمت عَلَيْهِ.
وَكَانُوا أيضًا فِي الإحرام لَا يَأْكُلُون من الدّهن الَّذِي فِي الأنعام؛ وَلِهَذَا لما فتح النَّبِيُّ ﷺ مَكَّة وغزا تَبُوك أنزل اللهُ بَرَاءَة، وأمره الله بِالْبَرَاءَةِ إلى أهل الْعَهْد الْمُطْلَق من الشِّرك، وبسيرهم فِي الأرض أربعة أشهر، وَقَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، فَبعث النَّبِي ﷺ أبا بكر الصّديق أميرًا على الْحَاجّ، وأمره أن يُنَادي: أن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْركٌ، وَلَا يطوف عُرْيَانٌ. فَكَانُوا يصرخون بهَا من الْمَوْسِم، كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح وَغَيره، فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره، وَهُوَ من الْمُتَوَاتر، وأردفه النَّبِي ﷺ بعلي بن أبي طَالب: أن لَا يَنْبذ للمُعاهدين عهودهم.
الشيخ: "لا" زائدة؛ لأنَّ العهود قسمان: عهود مُؤجلة تبقى، وعهود مُطلقة أوصاه بأن ينبذها.
أن ينْبذ للمُعاهدين عهودهم؛ لِأَنَّ عَادَتهم كَانَت أن لَا يقبلُوا بنبذ الْعَهْد وحلّه إلا من الْكَبِير أوْ بعض أهل بَيته، فأخبرهم النَّبِي ﷺ إذ ذَاك على عَادَتهم ليقبلوا ذَلِك، وَكَانَ أبو بكر هُوَ الإمام الَّذِي يُقيم للنَّاس مناسكهم، وَيُصلي بهم، وَيحكم فيهم، وعَلي مَعَه ليُبلغ رِسَالَةَ الْبَرَاءَة إلى أهل العهود.
فَكَانَ أولياء الشَّيْطَان إذا فعلوا هَذِه الْفَاحِشَة -وَهِي إبداء السَّوآت فِي الطَّواف- يحتجُّون بشيئين: يَقُولُونَ: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا [الأعراف:28]، وَهَذَا هُوَ الرُّجُوع إلى الْعَادة والاتِّباع والتَّقليد للأسلاف، وَيَقُولُونَ: وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]، وَهَذَا قَولٌ بِغَيْر علمٍ.
الشيخ: وهذا حُجَّة المبطلين الآن في كل مكانٍ من الصُّوفية وأهل البدع وسائر أنواع الضَّالين، تارةً يقولون: هذه طريقة أسلافنا ما نحيد عنهم، وهم أعلم منا، وأفضل منا ومنكم وأعلم، فنسير معهم وإن كانوا على طريق النار. وتارةً يقولون: هذا عبادة وقُربة، وثبتت عن السَّابقين، وأنتم الغالِطون، وأنتم الجاهلون، وهذا دينٌ وقُربة. وإن كان كفرًا بالله وشركًا كما يقول عُبَّاد القبور.
فيجمعون بين الأمرين: بين تقليد الآباء والأسلاف في الباطل، وبين التَّشبيه على الناس بزعم أنَّ ما هم عليه قُربة وطاعة، وأنَّ غيرهم هو المخطئ، فيضلون من الطريقين: من طريق التقليد الأعمى، ومن طريق القول بغير علمٍ والجهل، نسأل الله العافية.
وَلِهَذَا قَالَ تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف:28]، فإنَّ الْفَحْشَاء قبيحة مُنكرَة، تُنكرهَا الْقُلُوب بفطرتها، وَالله لَا يَأْمُر بمنكرٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أنَّ الأفعال القبيحة السَّيئَة تكون على صِفَاتٍ تمنع مَعهَا أنَّ الله يَأْمُر بهَا، وَفِي هَذَا نزاعٌ مَعْرُوفٌ بَين النَّاس بَيَّناهُ فِي غير هَذَا الْمَوضع.
ثمَّ قَالَ: أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28] أَي: أتقولون أنه أمر بِهَذَا وأنتم لَا تعلمُونَ أنه أمر بِهِ، إذ لَيْسَ مَعكُمْ إلا عَادَة آبائكم ودينكم، وأنتم لَا تعلمُونَ أنَّ الله أنزل بِهَذَا سُلْطَانًا.
فَهَذِهِ الآية يَدْخُل فِيهَا كلُّ مَن تعبد بِفَاحِشَةٍ، وأمر بمُنكرٍ، وإن احْتجَّ بِالْعَادَةِ الَّتِي لسلفه، أو زعم أنَّ الله يَأْمُر بذلك، أو لما يذكرهُ من الأسباب، كَقَوْل مُشْركي الْعَرَب: هَذِه الثِّيَاب عصينا الله فِيهَا، فَلَا نطوف لَهُ فِيهَا. يُرِيدُونَ وَقت الْعِبَادَة أن يجتنبوا ثِيَابَ الْمَعْصِيَة.
وَكَذَلِكَ تقسيمهم النَّاس إلى قسمَيْنِ: حمس، وَغير حمس. وإباحتهم للحمس مَا يحرم على غَيرهم من الطَّواف فِي الثِّيَاب، وَمن الطَّعَام، وَعدم دُخُول الْبيُوت المنقوبة فِي الإحرام من أبوابها، وإسقاطهم عَن الحمس الإفاضة من عَرَفَة بالإفاضة من مُزْدَلِفَة.
فَمن هَذَا الْبَاب مَا يَدَّعِي قومٌ من أشراف بني هَاشم وَمَن يَزْعمُونَ أنَّهم مِنْهُم؛ لموافقتهم لَهُم على رَأْي -كالتَّشيع وَغَيره- أنَّهم مختصُّون بِهِ فِي الْعِبَادَات والمحظورات، فَهَذَا نَظِير مَا كَانَت الحمس تدَّعيه، وَمن هَذَا الْبَاب مَا يَفْعَله قومٌ من المتزهدة: من كشف سوآتهم فِي سماعاتهم وحماماتهم، أو غير ذَلِك، وَيَقُولُونَ: هَذَا طريقنا. وَهَذَا فِي طريقنا. فَهَذَا مثل قَوْلهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28].
وأبلغ من ذَلِك: تعبد طوائف من المتزهدة والمتعبدة بمُعاشرة الأحداث: المردان، وَالنِّسَاء الأجانب، وَالنَّظَر إليهم، وَالْخلْوَة بهم، والمحبَّة، والهوى فيهم، وَبِمَا قد يكون، وَقد لَا يكون وَرَاء ذَلِك من الْفَاحِشَة الْكُبْرَى.
وَهَذَا ابتدأه الْمُشْركُونَ من الصَّابئة وَغير الصَّابئة، الَّذين هم أولياء الشَّيَاطِين، الَّذين هم مشركون، كَمَا ذكر ابْنُ سينا فِي إشاراته، وَزعم أنه مِمَّا يُعين على السُّلوك، والتَّأله: الْعِشْق الْعَفِيف، واستماع الأصوات الملحنة، كَمَا ذكر أيضًا الشِّرك بِعبَادة الصُّور، وَيذكر هُوَ وطائفته عبَادَة الْكَوَاكِب.
وَهَذَا فِي النَّصَارَى أيضًا مِنْهُ جَانب قوي، وهم أيضًا قد ابتدعوا شركًا لم يُنزل الله بِهِ سُلْطَانًا، كَمَا قَالَ تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31].
وَلِهَذَا كثر هَذَا فِي طوائف الزُّهاد والعُبَّاد من هَذِه الأمَّة من المبتدعة الخارجين عَن الشَّرِيعَة ورسالة مُحَمَّدٍ ﷺ من هَذَا الْوَجْه، وإن كَانُوا من وَجهٍ آخر داخلين فِيهَا.
فَهَذَا شَأْنُ الطرائق المبتدعة كلهَا؛ يجْتَمع فِيهَا الْحقُّ وَالْبَاطِل، وَمن الْمَعْلُوم أنَّ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُونَهُ من الْفَوَاحِش الظَّاهِرَة أو الْبَاطِنَة، وَقد قَالَ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وَقَالَ تعالى: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120].
وَقد قَالَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْن عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي ﷺ أنه قَالَ: العينان تزنيان وزناهما النَّظر، والأذنان تزنيان وزناهما السَّمع، وَاللِّسَان يَزْنِي وزناه النُّطْق، وَالْقَلب يتَمَنَّى ذَلِك ويشتهي، والفَرْج يُصدِّق ذَلِك ويُكذبه، فَمَا كَانَ من السَّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان فِي هَذَا الْبَاب فهو من زِنَاهُ، وَالزِّنَا من الْفَوَاحِش، وَالله لَا يَأْمُر بالفحشاء.
فَالله تعالى لَا يَأْمُر أن يعبده.
الشيخ: أن يُعبد، بدون هاءٍ.
الشيخ: لأنه وسيلة اللِّواط، كما أنه لا يرضى بالتَّعبد بالنَّظر إلى النِّسوان وعشرتهن وخلوتهن؛ لأنَّ هذا كله وسيلة للفاحشة، نعوذ بالله.
بل قد حرَّم الْفَوَاحِشَ مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن، وإن أتى هَذِه الْفَوَاحِش مُعْتَقدًا تَحْرِيمهَا فَهُوَ من الْمُسلمين الَّذين قَالَ فيهم النَّبِي ﷺ فِي حَدِيث أبي ذَرٍّ: مَن مَاتَ لَا يُشْرِك بِاللَّه شَيْئًا دخل الْجنَّةَ، وإن زنا، وإن سرق.
فَإِنَّ الْمُسلم الَّذِي يَأْتِي بِفَاحِشَةٍ: إما أن يَتُوبَ إلى الله ويستغفره؛ فَيَدْخُل فِي قَوْله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135- 136]، وَقَالَ تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وَقَالَ تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، عَن النَّبِي ﷺ: أنَّ رجلًا أصاب من امْرَأَةٍ قبلةً، فَأتى رَسُول الله ﷺ فَذكر ذَلِك لَهُ، فَأَنْزل عَلَيْهِ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ الآية، قَالَ الرجلُ: ألي هَذِه الآية؟ قَالَ: لمن عمل بهَا من أُمَّتي.
الشيخ: وهذا عامٌّ لمن عمل بها من أُمَّة محمدٍ إلى آخر الزمان، فالذي يأتي المعصية وهو يعلم أنها معصية تحت مشيئة الله، داخلٌ في حديث أبي ذرٍّ؛ إذا مات على التوبة دخل الجنة، وإن مات على المعصية فهو تحت مشيئة الله: إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذَّبه على قدر الجريمة التي مات عليها، ثم مُنتهاه إلى الجنة بتوحيده وإسلامه.
لكن مَن أتى المعاصي يتعبد بها، ويراها دينًا وقُربةً، كما يفعله بعضُ الصُّوفية المتزهدة، هذا أعظم وأشدّ؛ لأنه جعل المعاصي قُربةً، نسأل الله العافية، فهذا حريٌّ ألا يتوب، حريٌّ أن يُعذَّب بها، نسأل الله العافية؛ لأنه يموت عليها، ويزعم أنها دين وقُربة، نسأل الله العافية.
س: ألا يكون معناه: استحلال الحرام الذي يخرج به من الملَّة؟
ج: إذا استحلَّها كفر، لكن المقصود التَّأويل، هذا محل البحث.
وَقد قَالَ تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]، وَقَالَ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أشبه باللَّمم مِمَّا قَالَ أبو هُرَيْرَة عَن النَّبِي ﷺ: إنَّ الْعَينَيْنِ تزنيان، وزناهما النَّظر ... وَذكر الحَدِيث.
وَالْمُسلم إذا أتى الْفَاحِشَة لَا يكفر، وإن كَانَ كَمَالُ الإيمان الْوَاجِب قد زَالَ عَنهُ، كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن النَّبِي ﷺ أنه قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يسرق السَّارِقُ حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يشرب الْخَمر حِين يَشْربهَا وَهُوَ مُؤمن، وَلَا ينتهِب نهبةً ذَات شرفٍ يرفع النَّاسُ إليه فِيهَا أبصارَهم وَهُوَ مُؤمن.
فَأصل الإيمان مَعَه، وَهُوَ قد يعود إلى الْمَعْصِيَة، وَلكنه يكون مُؤمنًا إذا فَارق الدُّنْيَا، كَمَا فِي الصَّحِيح عَن عمر: أنَّ رجلًا كَانَ يُدْعَى: حمارًا، وَكَانَ يَشرب الْخَمر، وَكَانَ كلما أُتِيَ بِهِ إلى النَّبِي ﷺ أمر بجلده، فَقَالَ رجلٌ: لَعنه الله، مَا أكثر مَا يُؤْتَى بِهِ إلى النَّبِي ﷺ! فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تلعنه؛ فَإِنَّهُ يُحبُّ اللهَ وَرَسُولَه، فَشهد لَهُ بِأَنَّهُ يُحبُّ اللهَ وَرَسُولَه، وَنهى عَن لعنته، كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الآخر الصَّحِيح: وإن زنا، وإن سرق.
وَذَلِكَ أنَّ مَعَه أصلَ الِاعْتِقَاد أنَّ الله حرَّم ذَلِك، وَمَعَهُ خشية عِقَاب الله، ورجاء رَحْمَة الله، وإيمانه بِأَنَّ الله يَغْفر الذَّنبَ، وَيَأْخُذ بِهِ، فَيَغْفر الله لَهُ بِهِ.
كَمَا فِي الصَّحِيح: عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: أذنب عبدٌ ذَنبًا فَقَالَ: أَي ربّ، إني أذنبتُ ذَنبًا فَاغْفِر لي، فَقَالَ ربُّه: علم عَبدِي أنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفر الذَّنبَ وَيَأْخُذ بِهِ، قد غفرتُ لعبدي، ثمَّ أذنب ذَنبًا آخر فَقَالَ: أَي ربّ، أذنبتُ ذَنبًا فاغفره لي، فَقَالَ ربُّه: علم عبدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفر الذَّنبَ، وَيَأْخُذ بِهِ، قد غفرتُ لعبدي، ثمَّ أَذْنَبَ ذَنبًا آخر فَقَالَ: أَي ربّ، قد أذنبتُ ذَنبًا فاغفره لي، فَقَالَ: علم عَبدِي أنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفر الذَّنبَ وَيَأْخُذ بِهِ، قد غفرتُ لعبدي، فَلْيَفْعَل مَا شَاءَ.
وَكَذَلِكَ فِي الصِّحَاح من غير وَجهٍ: حَدِيث الَّذِي لم يَعْمل خيرًا قطّ، وَقَالَ لأَهله: إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثمَّ اسحقوني، ثمَّ ذروني فِي يَوْم ريحٍ .. الحَدِيث، فَقَالَ اللهُ لَهُ: مَا حملك على مَا فعلتَ؟ قَالَ: خشيتُك يَا ربّ، فغفر اللهُ لَهُ بِتِلْكَ الخشية.
الشيخ: وهذا جهل قُدرة الله، وحمله الخوفُ من الله فأمر بتحريقه وذريه، هذا مما يُحتجُّ به على أنَّ ما قد يخفى من دقائق أمور الصِّفات يُعفا عنه؛ لغلبة الجهل، وشدة الخوف من الله ، وهكذا صاحب المعصية، ما دام كلما أذنب تاب فهو على طريق نجاةٍ، ولكن يجب عليه الحذر، يجب عليه سؤال الله العافية، لكن ما دام مَن فعلها وفَّقه الله للتوبة فإنه يزول شرّها، ويبقى عليه تبعة الذنب الجديد، وهكذا، فكل ذنبٍ تاب منه زال حكمه، وبقي عليه ما قد يأتي بعد ذلك، إذا تاب توبةً صادقةً.
أما إذا قال: "ربِّ اغفر لي" وهو مُصممٌ على المعصية، فهذا ما تاب، إنما التَّائب هو الذي ندم عليها، وأقلع منها، وتركها خوفًا من الله، وتعظيمًا له، فهذا هو التَّائب، ثم قدر عليه أن وقع فيها مرةً أخرى، وهو قد عزم على تركها.
وَكَذَلِكَ من أفضل أعمال الْمُؤمن: التَّوْبَة، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ للغامدية الَّتِي أقرَّت بِالزِّنَا حَتَّى رَجمهَا: لقد تابت تَوْبَةً لَو تابها صاحبُ مكسٍ لغُفِر لَهُ، وَهل وجدت تَوْبَةً أفضل من أن جَادَتْ بِنَفسِهَا لله؟.
وَحَدِيث صَلَاة التَّوْبَة مَحْفُوظٌ فِي السُّنَن عَن عَليٍّ، عَن أبي بكر الصّديق، عَن النَّبِي ﷺ أنه قَالَ: مَا من مُسلمٍ يُذْنِب ذَنبًا فيتوضَّأ وَيُحسِن الْوضُوء، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ويستغفر الله إلا غفر لَهُ، وَقَرَأَ هَذِه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135].
الشيخ: وهذا من أسباب المغفرة: أن يتوضأ ويُحسن الوضوء، ثم يُصلي ركعتين ويُعلن توبته بينه وبين ربّه، ويستغفره سبحانه، فهذا من أعظم الأسباب في قبول الله توبته، وإن كان هذا ليس بشرطٍ، فالتَّوبة والنَّدم في أي وقتٍ كان: قبل صلاةٍ، أو بعد صلاةٍ، من ليلٍ، أو نهارٍ، في السفر والحضر، والشدة والرَّخاء، إذا تاب توبةً صادقةً قبلها اللهُ منه وغفر له، لكن إذا كانت التوبةُ بعد صلاةٍ، وبعد ضراعةٍ إلى الله، وانكسارٍ بين يديه، صار ذلك أقرب إلى قبولها.
وَهَذَا بَابٌ وَاسعٌ؛ فإنَّ الذُّنُوب الَّتِي يُبتلى بهَا الْعِباد يَسْقط عَنْهُم عَذَابهَا: إما بتوبةٍ تجبُّ مَا قبلهَا، وإما باستغفارٍ، وإما بحسناتٍ يُذْهبن السَّيِّئَات، وإما بِدُعَاء الْمُسلمين وشفاعتهم، أو بِمَا يَفْعَلُونَهُ لَهُ من الْبرِّ، وإمَّا بشفاعة النَّبِي ﷺ وَغَيره فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَة، وإما أن يُكفر الله خطاياه بِمَا يُصِيبهُ من المصائب، فقد تَوَاتر عَن النَّبِي ﷺ: أنَّ مَا يُصِيب الْمُسلم من أذى شَوْكَة فَمَا فَوْقهَا إلا حطّ اللهُ بهَا خطاياه، كَمَا تحطّ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ وَرقَهَا.
وأصناف الْحَسَنَات الَّتِي تُكفر بهَا السَّيِّئَات كَثِيرَة، أكثر من السَّيِّئَات من أنواع الْبرِّ جَمِيعهَا، كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي الأحاديث النَّبَوِيَّة الْمُطَابقَة لكتاب الله تعالى.
وأهل السُّنة وَالْجَمَاعَة متَّفقون على أنه لَا يكفر الْمُسلم بِمُجَرَّد الذَّنب، كَمَا يَقُوله الْخَوَارِجُ، وَلَا أنه يخرج من الإيمان بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا يَقُوله الْمُعْتَزلَة، لَكِن ينقص الإيمان، وَيمْنَع كَمَاله الْوَاجِب.
الشيخ: يعني الذنب، ولكن ينقص الذنبُ الإيمان.
الشيخ: أهل السُّنة وسطٌ بين المعتزلة والخوارج، وبين المرجئة؛ فالخوارج يُكفِّرون بالمعاصي، نعوذ بالله، فمَن شرب الخمر كفر، ولو كان يعرف تحريم ذلك، ومَن سرق كفر، ومَن عقَّ والديه كفر، وهكذا.
والمعتزلة يقولون: ما نُسميه: كافرًا، ولكنه خرج من الإيمان، واستحقَّ الخلود في النار، نعوذ بالله.
وأهل السنة يُخالفونهم في هذا فيقولون: المعاصي تنقص الإيمان، تُضعف الإيمان، تمنع كماله الواجب، لكن لا يكفر بذلك، ولا يُخلد في النار، فهو تحت مشيئة الله: إن شاء الله غفر له يوم القيامة، وإن شاء عذَّبه على قدر المعاصي التي مات عليها.
فالمرجئة تقول: لا، المعاصي لا تنقص الإيمان، ولا تُضعف الإيمان، ولكنه مذمومٌ عليها، وقد فعل ما لا يجوز له، لكن إيمانه لا ينقص؛ لأنَّ عمل الإيمان ما يتعلق بالقلوب، أو القلب واللسان.
وهذا أيضًا خطأ مخالفٌ لأهل السنة والجماعة، بل هو ينقص الإيمان، الذنوب تنقص الإيمان، وتُضعف الإيمان، الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطَّاعات، وينقص بالمعاصي، هذا ما أجمع عليه أهلُ السنة والجماعة، خلافًا لهؤلاء وهؤلاء، وأهل السنة دائمًا وسطٌ بين الأقوال الباطلة، أهل السنة في عقائدهم وسطٌ بين الأقوال الباطلة.
الشيخ: وينبغي لطالب العلم أن ينتبه لهذا: فرقٌ بين فعل المعصية مع اعتقاده تحريمها، وفرقٌ بين ترك الواجب مع اعتقاده وجوبه، فكونه يستحلّ المحارم ولو ما فعلها، استحلاله لها كفرٌ وردَّةٌ عن الإسلام، لو قال: إنَّ الزنا حلال. ولو ما زنا كفر، ولو قال: إنَّ شُرب الخمر حلال. ولو ما شرب الخمر يكون كافرًا، فإذا شربه صار شرًّا إلى شرٍّ، كافر وعاصٍ جميعًا.
وهكذا لو قال: إنَّ عقوق الوالدين حلال، أو قطيعة الرحم حلال. كفر، ولو لم يعقّ والديه، لكن بهذه العقيدة الفاسدة يكفر، من نواقض الإسلام، لكن لو عقَّ والديه أو أحدهما، أو زنا، أو سرق، وهو يعلم أنه عاصٍ، وهو يعلم أنه مُذنب، فهذا ما يكفر، لكن يكون إيمانه ضعيفًا، ويكون ناقص الإيمان؛ لأنه فعل ذلك عن طاعةٍ للهوى والشيطان والنفس الأمَّارة بالسُّوء، وهو يعلم أنه مذنب، وأنه عاصٍ لربه؛ فلهذا لا يكفر بذلك، لكن يكون عاصيًا، ويكون تحت مشيئة الله يوم القيامة إذا مات على ذلك ولم يتب.
فَأَمَّا استحلال مَا حرَّم الله وَرَسُوله من الْفَوَاحِش وَغَيرهَا فَهُوَ كفرٌ، وبمثله أهلك اللهُ قومَ لوطٍ الَّذين استحلُّوا الْفَاحِشَةَ وفعلوها مُعلنين بهَا، مُستحلين لَهَا، قَالَ تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82- 83].
وَقد روي عَن قَتَادَة: "من الظَّالِمين من هَذِه الأمة".
وَقد روي أنه يكون فِيهَا خسفٌ وَقذفٌ ومسخٌ.
وَقد شرع اللهُ سُبْحَانَهُ فِي شَرِيعَة أهل التَّوْرَاة وَشَرِيعَة أهل الْقُرْآن رجم الزَّانِي الْمُحْصَن بِالْحِجَارَةِ، كَمَا رجم اللهُ أهلَ الْفَاحِشَة، وأمَّا أهل الْفَاحِشَة واللُّوطية فيُرجمان، سَوَاء كَانَا بكرين، أو ثيبين عِنْد جُمْهُور الْعُلمَاء، كَمَا رجم الله قومَ لوطٍ، وَلَيْسَ فِي الذُّنُوب مَا يُعَاقَب أهله بِالرَّجمِ إلا أهل هَذِه الْفَاحِشَة.
وَقد رجم النَّبِي ﷺ غير وَاحِدٍ: رجم الْيَهُودِيين، ورجم مَاعز بن مَالك، ورجم الغامدية، ورجم آخر، وَكَذَلِكَ رجم خلفاؤه الراشدون أيضًا.
وَكَذَلِكَ مَا يُعَاقب اللهُ بِهِ أهلَ ذَلِك، كَمَا روى البُخَارِيّ فِي "صَحِيحه" تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ، وَهُوَ دَاخلٌ فِي الصَّحِيح الَّذِي شَرطه: عَن عبدالرَّحْمَن بن غنم الأشعري أنه سمع النَّبِي ﷺ يَقُول: لَيَكُونن من أمتي أقوامٌ يسْتَحلُّونَ الْحر وَالْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جنب علمٍ يروح عَلَيْهَا بسارحةٍ لَهُم، يَأْتِيهم لحاجتهم، فَيَقُولُونَ: ارْجِع إلينا غَدًا، فيُبيتهم الله، وَيَضَع الْعَلم، ويمسخ آخرين قردةً وَخَنَازِير إلى يَوْم الْقِيَامَة.
الشيخ: هذا في هذه الأمة، أخبر عن آخر الزمان أنه يكون في هذه الأمة قومٌ يستحلون الحر –يعني: الزنا- والحرير والخمر والمعازف، يستحلونها ويكفرون بذلك، وينزل قومٌ تحت علمٍ –جبلٍ- فتُراح عليهم السَّارحة من غنمٍ أو غيرها، فيأتي آتٍ يطلبهم حاجةً، فيقولون: ائتنا غدًا، فيُبيتهم الله بالعقوبة في الليل، ويضع العلم، هذا الجبل يذهب، يُخسَف به ويذهب، ويمسخ اللهُ جماعةً آخرين قردةً وخنازير على عملهم السَّيئ، نسأل الله العافية.
وهذا مما رواه البخاري في "الصحيح" مُعلقًا مجزومًا به رحمه الله عن هشام بن عمار إلى آخره.
فالعقوبة بِمَا عُوقبت بِهِ الأمم الْمُتَقَدّمَة من قذفٍ ومسخٍ وَخسفٍ إنما يكون لمن شاركهم فاستحلَّ مَا حرَّمه الله وَرَسُوله، كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ: لَيَكُوننَّ من أمَّتي أقوامٌ يسْتَحلُّونَ، ثمَّ قد يسْتَحلّ بَعضُهم بعضَ أنواع الْخَمر بِتَأْوِيلٍ، كَمَا اسْتحلَّ ذَلِك أهلُ الْكُوفَة، كَمَا رُوي فِي الحَدِيث: لَيَكُوننَّ من أمَّتي أقوامٌ يسْتَحلُّونَ الْخمرَ، يُسمونها باسمٍ غير اسْمهَا.
فالاستحلال الَّذِي يكون من موارد الِاجْتِهَاد، وَقد أَخطَأ المستحلُّ فِي تَأْوِيله، مَعَ إيمانه وحسناته، هُوَ مِمَّا يغفره الله لهَذِهِ الأمة من الْخَطَأ فِي قَوْله: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، كَمَا اسْتحلَّ بَعضُهم بعضَ أنواع الرِّبَا، واستحلَّ بَعضُهم نوعًا من الْفَاحِشَة، وَهُوَ إتيان النِّسَاء فِي حشوشهن، واستحلَّ بَعضُهم بعضَ أنواع الْخَمر، واستحلَّ بَعضُهم اسْتِمَاعَ المعازف، واستحلَّ بَعضُهم من دِمَاء بعضٍ بالتَّأويل مَا اسْتحلَّ.
فَهَذِهِ الْمَوَاضِع الَّتِي تقع من أهل الإيمان وَالصَّلَاح تكون سيئات مُكفرة، أو مغفورة، أو خطأ مغفورًا، وَمَعَ هَذَا فَيجب بَيَان مَا دلَّ عَلَيْهِ الْكتابُ وَالسُّنة من الْهُدى وَدين الْحقِّ والأمر بذلك، وَالنَّهْي عَن خلَافه بِحَسب الإمكان.
ثمَّ هَذِه الأمور الَّتِي كَانَت من أولئك تَكْثر وتتغلظ فِي قومٍ آخرين بعدهم، حَتَّى تَنْتَهِي بهم إلى استحلال محارم الله، وَالْخُرُوج عَن دين الله، وإذا تغلظت هَذِه الأمور عاقب اللهُ أصحابها بِمَا يَشَاء.
وَقد كَانَ بعضُ الصَّحَابَة ظنَّ أنَّ الْخَمر حُرِّمت على الْعَامَّة دون الَّذين آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات، فَشربهَا مُتأوِّلًا، فَأَحْضَرهُ عمر، وَاتَّفقَ هُوَ وأئمة الصَّحَابَة -كعليٍّ وَغَيره- على أنَّهم إن أصرُّوا على استحلالها كفرُوا، وإن أقرّوا بِالتَّحْرِيمِ جُلِدُوا، فأقرُّوا بِالتَّحْرِيمِ، ثمَّ حصل لذَلِك نوعٌ من الْيَأْس والقنوط لما فعل، فَكتب إليه عمر: حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:1- 3]. وأظنُّه قَالَ: مَا أدري أَي ذنبيك أعظم: استحلالك الرجس، أم يأسك من رَحْمَة الله؟!
وَهَذَا من علم أمير الْمُؤمنِينَ وعدله، فَإِنَّ الْفَقِيه كل الْفَقِيه لَا يُؤيِّس النَّاس من رَحْمَة الله، وَلَا يُجرئهم على معاصي الله، وَاسْتِحْلَال الْمُحرَّمَات كفر، واليأس من رَحْمَة الله كفر.
وَلِهَذَا كَانَ دينُ الله بَين الحرورية والمرجئة، فالمسلم يُذنِب وَيَتُوب، كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ فِيمَا يُروى عَن ربِّه: يَا عبَادي، إنَّكم تُخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وأنا أَغْفِر الذُّنُوب، فاستغفروني أَغْفِر لكم.
وَفِي "صَحِيح مُسلم" عَنهُ أيضًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو لم تُذنبوا لذهب اللهُ بكم، ولجاء بِقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله فَيَغْفر لَهُم، وَنَحْوه فِي الصَّحِيح من رِوَايَة أبي أيوب.
وَقَالَ لعَائِشَةَ لما قيل فِيهَا الْإِفْك: يَا عَائِشَة، إن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله، وتوبي إليه، فَإِنَّ العَبْد إذا اعْترف بِذَنبِهِ وَتَابَ؛ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وإن كنتِ بريئةً فسيُبرئك الله.
وَفِي الصَّحِيح عَن جُنْدُب: أن النَّبِي ﷺ حدَّث أنَّ رجلًا قَالَ: لَا يَغْفر اللهُ لفُلَانٍ. وإنَّ الله قَالَ: مَن الَّذِي يتألَّى عليَّ أني لَا أَغفر لفُلَانٍ؟! فَإِنِّي قد غفرتُ لفُلَانٍ، وأحبطتُ عَمَلك.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه: عَن أنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: كل ابْن آدم خطَّاء، وَخير الْخَطَّائِينَ التَّوابون.
الشيخ: المقصود من هذا أنَّ الواجب على العبد أن لا ييأس، وأن لا يأمن، بل يحذر المعاصي والسَّيئات فيبتعد عنها، ومتى وقع فيها لا ييأس، يُبادر بالتَّوبة، والله يتوب على التَّائبين، الله قدَّر فيما سبق في علمه أنه لا بدَّ من وجود ذنوبٍ؛ حتى تظهر آثارُ رحمته وعفوه ومغفرته وتوبته، إذا وقع الذنبُ فلا ييأس، ولا يقنط، ولكن يُبادر بالتوبة، ويُبادر بالإحسان، والله يتوب على التَّائبين: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] يعني: للتَّائبين، مَن تاب إليه وأناب إليه صادقًا تاب اللهُ عليه، حتى من الشرك الأكبر، فلا يجوز القنوط ولا اليأس، ولكن يجب الحذر، فمتى زلَّت القدم، ووقع الأمر بالمكروه، فالواجب البدار بالتوبة والإصلاح.
س: ................؟
ج: نعم، استحلّوا اللِّواط مع الكفر، واستحلوا أشياء أخرى: قطع الطريق، واللواط، وظلم الناس في أموالهم، زيادةً على الكفر، نسأل الله العافية.
س: أيش معنى يا شيخ: حشوش النِّساء؟
ج: الدبر، وطء الدبر يعني، موضع قضاء الحاجة، يعني: موضع الغائط، نسأل الله العافية.
س: .................؟
ج: إذا كان من أهل الكتاب، إذا كان من أهل الذِّمة يُقام عليهم الحدود، أما الوثنيون المستأمنون فلا تُقام عليهم الحدود؛ لأنهم يعتقدون حلّ هذه الأشياء، ما عندهم وازع، وإنما يُزجرون ويمنعون عن إظهار شعائرهم في بلاد المسلمين، ولكن أهل الكتاب من اليهود والنَّصارى أقام عليهم النبيُّ الحدَّ بين يديه؛ لأنهم يعتقدون تحريم ذلك.
س: حكم مَن ادَّعى أن الموسيقى تُعالج الأمراض؟
ج: هذا من الأغلاط، ومن المنكر، ينبغي له أن يُستتاب ويُؤدّب، إذا كان باليد ينبغي أنه يُستتاب ويُؤدب ويُزجر.
وَفِي "صَحِيح مُسلم" عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: إنَّ الله يبسط يَدَه بِاللَّيْلِ ليتوبَ مُسيئ النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مُسيئ اللَّيْل، حَتَّى تطلع الشَّمْسُ من مَغْرِبهَا.
وَهَذَا الْبَاب وَاسعٌ.
وَالله تعالى يقبل تَوْبَةَ العَبْد من جَمِيع الذُّنُوب: الشّرك فَمَا دونه، كَمَا قَالَ تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الآية [الزمر:53]، وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا الآية [البروج:10]، وَقَالَ تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وَقَالَ تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:73- 74]، وَقَالَ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38].
الشيخ: الذنوب إذا تاب العبدُ منها تاب اللهُ عليه: الشِّرك وما دونه. مَن تاب توبةً صادقةً تاب اللهُ عليه، إذا اجتمعت على شروطها المعتبرة، وقد تاب الجمُّ الغفير في عهده ﷺ من الشِّرك، وتاب اللهُ عليهم، وقَبِلَ المسلمون منهم، وهكذا في عهد الصِّديق تاب كثيرٌ من المرتدين، وقبلوا توبتهم.
فتوبة المرتد وتوبة الكافر وتوبة العاصي كلها مقبولة إذا استوفت شروطها، وإنما الخلاف في الحكم الدنيوي في بعض المسائل: هل تُقبل أو ينفذ عليه الحكم؟ وتنفيذ الحكم في الدنيا شيء ثانٍ؛ لأنَّ التوبةَ فيما بينه وبين الله، جميع الذنوب كلها تُغفر بالتوبة، مَن تاب توبةً صادقةً تاب اللهُ عليه من أي ذنبٍ كان.
وهكذا ما رواه ابنُ عباسٍ في القاتل: لا توبةَ له يعني: من جهة حقِّ المخلوقين، أمَّا حقّ الله فيسقط بالتوبة، وحقّ المخلوقين لا يسقط، بل لهم القصاص، وللقتيل حقّه يُعطاه يوم القيامة، وليس مُراده أنَّ القاتل لا تُقبل توبته بالكلية: لا من جهة الله، ولا من جهة العباد، لا.
هكذا مَن سبَّ الله وسبَّ الرسول، وتكررت ردَّته، فجماعة من أهل العلم قالوا: لا تُقبل توبته. معناه في الدنيا، فيجب أن يُقتل، وأما في الآخرة إن صدق في التَّوبة تاب اللهُ عليه، وإن كان شابًّا، ولو تكررت ردَّته، إذا صدق في التوبة تاب الله عليه فيما بينه وبينه .
فَمَن تَابَ من هَذِه الاعتقادات الْفَاسِدَة -وَهُوَ استحلال شَيْءٍ من الْمُحرَّمَات، أو التَّدين بِشَيْءٍ مِنْهَا- قبل الله تَوْبَته، وأمَّا مَن اسْتحلَّ ذَلِك أو تدين بِهِ، وإن لم يَفْعَله، فَالَّذِي يفعل ذَلِك وَهُوَ مُعْتَقدٌ للتَّحْرِيم خيرٌ مِنْهُ؛ فَإِنَّ هَذَا مُؤمن مُذنب، وأما الاستحلال لَهَا والتَّدين بهَا فَهُوَ كفرٌ.
فَأَمَّا أهل الإباحة الَّذين لَا يُحرمُونَ شَيْئًا من الْفَوَاحِش وَغَيرهَا فَهَؤُلَاءِ كفَّار، من أعظم النَّاس كفرًا.
وَكَذَلِكَ استحلال التَّلوط، مثل: مَن يظنّ أنَّ قَوْله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] يتَنَاوَل الذُّكران، أو يظنّ قَوْله: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ [البقرة:221] هُوَ فِي الموطوء، لَا فِي الزَّوْج، أو يظنّ أنَّ ذَلِك يُبَاح فِي السَّفر، أَوْ بعد أربعين يَوْمًا، أو نَحْو ذَلِك، فَهَذَا يكفر بِإِجْمَاع الْمُسلمين.
وَمثل هَؤُلَاءِ قد يُعاقبهم الله بِمَا عاقب بِهِ قوم لوطٍ، وَقد يحشر مَعَهم؛ لِأَنَّ دينه دينهم، بِخِلَاف الْمُقِرِّ بِتَحْرِيم ذَلِك فَإِنَّهُ مُسلمٌ.
وأمَّا التَّدين بذلك فَهُوَ أ
أأعظم من استحلاله، وَهَؤُلَاء المتدينون مَا يكادون يتدينون بِنَفس فعل الْفَاحِشَة الْكُبْرَى، وَلَكِن بمُقدِّماتها: من النَّظر، والتَّلذذ بِهِ، والمباشرة، والعشق للنِّسوان الأجانب وَالصِّبيان، ويزعمون أنَّ ذَلِك يُصفي نُفُوسَهم وأرواحهم، ويُرقيهم إلى الدَّرَجَات الْعَالِيَة. وَفِيهِمْ مَن يزعم أنه يُخَاطِب من تِلْكَ الصُّورَة، وتتنزَّل عَلَيْهِ أسرار ومعارف. وَفِيهِمْ مَن يترقَّى لغير ذَلِك فَيَقُول: إنه يتجلَّى لَهُ فِيهَا الْحَقَائِق، وَرُبمَا زعم أنَّ الله يحلّ فِيهَا عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوًّا كَبِيرًا، وَقد يَسْجُدُونَ لَهَا.
وَمن هَؤُلَاءِ مَن يَزْعم أنَّ دحْيَة الْكَلْبِيَّ كَانَ أمردًا.
الشيخ: كان أمرد.
س: إذا نُكِّر ما ينصرف؟
ج: هذا خبرٌ عن شخصٍ، خبرٌ عن دحية.
كان أمرد، وأنَّ جِبْرِيل كَانَ يَأْتِي النَّبِي ﷺ فِي صُورَة أمرد، وَيَقُول لَهُ: مَا أُحبّ أن تَأتِينِي إلا فِي صُورَة أمرد.
وَفِيهِمْ مَن يتَأَوَّل قَوْله ﷺ: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أحسن صُورَةٍ، وَفِي صُورَة كَذَا وَكَذَا، وَيجْعَل الْأَمْرَد ربّه.
وَهَؤُلَاء الحلولية والاتِّحادية مِنْهُم مَن يَخُصُّهُ بالصور الجميلة وَيَقُول بمظَاهر الْجَمال، وَمِنْهُم مَن يَقُول بالاتِّحاد الْمُطلَق والحلول الْمُطلق، لَكِن هُوَ يتَّخذ لنَفسِهِ من الْمظَاهر مَا يُحِبّهُ، فَهُوَ كَمَا قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان:43]، وَقَالَ: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23].
وَهَؤُلَاء يَجْعَل أحدُهم معبوده من جنس موطوئه: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].
وَكثيرٌ من هَؤُلَاءِ إنما يُنكر بِكَلَامِهِ إباحةَ ذَلِك التَّعَبُّد بِهِ، وَلَكِن حَاله حَال مَن يتعبد بِهِ، حَتَّى إنَّهم يتواصون فِيمَا بَينهم بِأَنَّ المريد السَّالك يَنْبَغِي أن يتَّخذ لنَفسِهِ صُورَةً يجْتَمع عَلَيْهَا، ثمَّ يترقَّى مِنْهَا إلى الله، أو أنه يُشَاهد فِيهَا الله.
فصلٌ فِي الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر هُوَ الَّذِي أنزل الله بِهِ كتبه، وأرسل بِهِ رسله، وَهُوَ من الدِّين، فإنَّ رِسَالَة الله: إما إخبار، وإما إنشاء.
فالإخبار عَن نَفسه ، وَعَن خلقه، مثل: التَّوْحِيد، والقصص الَّذِي ينْدَرج فِيهِ الْوَعْد والوعيد.
والإنشاء: الأمر وَالنَّهْي والإباحة.
وَهَذَا كَمَا ذُكر فِي الحَدِيث أنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] تعدل ثلثَ الْقُرْآن؛ لتضمنها الثُّلُث الَّذِي هُوَ التَّوْحِيد؛ لِأَنَّ الْقُرْآن تَوْحِيدٌ وأمرٌ وقصصٌ.
الشيخ: القرآن اشتمل على ما يتعلق بتوحيد الله، وما يتعلق بالأوامر والنَّواهي، وما يتعلق بالقصص عن الماضي والمستقبل، فصار ثلاثًا بهذا المعنى.
س: قوله: الإباحة إنشاء؟!
ج: نعم، الإباحة والتَّحريم كلها من قبيل الإنشاء.
وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي صفة نَبينَا ﷺ: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، هُوَ لبَيَان كَمَال رسَالَته، فَإِنَّهُ ﷺ هُوَ الَّذِي أمر الله على لِسَانه بِكُل مَعْرُوفٍ، وَنهى عَن كل مُنكرٍ، وأحلَّ كل طيبٍ، وَحرَّم كل خَبِيثٍ.
وَلِهَذَا رُوي عَنهُ ﷺ أنه قَالَ: إنما بُعثتُ لأتمم مَكَارِم الأخلاق، وَقَالَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ: إنما مثلي وَمثل الأنبياء كَمثل رجلٍ بنى دَارًا فأتمَّها وأكملها إلا مَوضِع لبنةٍ، فَكَانَ النَّاسُ يُطيفون بهَا ويعجبون من حُسنها وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوضِع اللَّبنة، فَأَنا تِلْكَ اللبنة، فبه أكمل اللهُ الدّينَ المتضمن لِلْأَمْرِ بِكُل مَعْرُوفٍ، وَالنَّهْي عَن كل مُنكرٍ، وإحلال كل طيبٍ، وَتَحْرِيم كل خَبِيثٍ.
الشيخ: ولهذا أجمع العلماءُ على ما دلَّ عليه كتابُ الله وسنةُ رسوله من الختم بالنبوة، وأنه خُتم به النبوة، فليس بعده نبي ولا رسول، وتمثيله بالقصر من أوضح الأشياء في هذا، مع قوله جلَّ وعلا: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، مَن ادَّعى النبوة بعده فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه خالف النصوص المتواترة القطعية من الكتاب والسُّنة.
وأمَّا مَن كَانَ قبله من الرُّسُل فقد كَانَ يحرم على أُممهم بعض الطَّيِّبَات، كَمَا قَالَ الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160]، وَرُبمَا لم يُحرم عَلَيْهِم جَمِيع الْخَبَائِث، كَمَا قَالَ تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ [آل عمران:93].
وَتَحْرِيم الْخَبَائِث ينْدَرج فِي معنى النَّهْي عَن الْمُنكر، كَمَا أنَّ إحلال الطَّيِّبَات ينْدَرج فِي معنى الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر؛ لِأَنَّ تَحْرِيم الطَّيِّبَات هُوَ مِمَّا نهى الله عَنهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمر بِجَمِيعِ الْمَعْرُوف، وَالنَّهْي عَن كل مُنكرٍ مِمَّا لم يتم إلا للرسول الَّذِي تمم اللهُ بِهِ مَكَارِم الأخلاق المندرجة فِي الْمعرفَة.
الشيخ: لعله: في المعروف؛ لأنَّ مكارم الأخلاق من المعروف، فلعله: في المعروف.
المندرجة في المعروف، وَقد قَالَ الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، فقد أكمل الله لنا الدّين، وأتم علينا النِّعْمَة، وَرَضي لنا الإسلام دينًا.
وَكَذَلِكَ وصف اللهُ الأُمَّة بِمَا وصف بِهِ نبيَّها حَيْثُ قَالَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وَقَالَ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]؛ وَلِهَذَا قَالَ أبو هُرَيْرَة : كُنْتُم خير النَّاس للنَّاس، تأتون بهم فِي الأَقياد والسَّلاسل حَتَّى تُدخلوهم الْجنَّةَ.
فَبين الله سُبْحَانَهُ أنَّ هَذِه الأُمَّة خير الأمم للنَّاس، فهم أنفعهم لَهُم، وأعظمهم إحسانًا إِلَيْهِم؛ لأَنَّهم كملوا أَمر النَّاس بِالْمَعْرُوفِ، ونهيهم عَن الْمُنكر من جِهَة الصّفة وَالْقدر، حَيْثُ أمروا بِكُل مَعْرُوفٍ، ونهوا عَن كل مُنكرٍ لكل أحدٍ، وأقاموا ذَلِك بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله بِأَنْفسِهِم وأموالهم، وَهَذَا كَمَال النَّفْع لِلْخَلْقِ.
وَسَائِر الأمم لم يأمروا كل أحدٍ بِكُل مَعْرُوفٍ، وَلَا نهوا كلَّ أحدٍ عَن كل مُنكرٍ، وَلَا جاهدوا على ذَلِك، بل مِنْهُم مَن لم يُجاهدوا، وَالَّذين جاهدوا -كبني إسرائيل- فغاية جهادهم كَانَ لدفع عدوهم من أرضهم، كَمَا يُقَاتل الصَّائِل الظَّالِم، لَا لدَعْوَة الْمُجَاهدين إلى الْهُدى وَالْخَيْر، وَلَا لأمرهم بِالْمَعْرُوفِ ونهيهم عَن الْمُنكر، كَمَا قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ إلى قَوْله: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:21- 24].
وكما قَالَ تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246].
فعللوا الْقِتَالَ بِأَنَّهُم أُخْرِجُوا من دِيَارهمْ وأبنائهم، وَمَعَ هَذَا كَانُوا ناكلين عَمَّا أُمِروا بِهِ من ذَلِك؛ وَلِهَذَا لم تحلّ الْغَنَائِم لَهُم، وَلم يَكُونُوا يطؤون بِملك الْيَمين، وَمَعْلُومٌ أنَّ أعظم الأمم الْمُؤمنِينَ قبلنَا هم بَنو إسرائيل، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج علينا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: عُرضت عليَّ البارحة ...
الشيخ: هذا الواجب العظيم هذا قد ضعف الناسُ فيه كثيرًا، وقلَّ المهتمُّون به كثيرًا في هذا العصر، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يهتمُّوا بهذا الواجب العظيم الذي جعل الله لهذه الأمة فيه الحظ الأوفر، وجعلها خير أمَّةٍ بإيمانها وعملها الصالح، وأمرِها بالمعروف، ونهيها عن المنكر.
فينبغي للمؤمن أن لا يقصر في هذا، بل يحرص لإحياء هذا الواجب وإظهاره بيده، ثم لسانه، ثم قلبه، والله جلَّ وعلا أوجب المستطاع فيه فقط، فينبغي للمؤمن أن لا يبخل بلسانه ونصيحته لإخوانه، وقد مكَّن اللهُ من ذلك، ويسَّر ذلك أينما كان، حتى يكون من المحيين لهذا الواجب، والمظهرين له، والدَّاعين إليه، والله المستعان.
وَمَعْلُومٌ أنَّ أعظم الأمم الْمُؤمنِينَ قبلنَا هم بَنو إسرائيل، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج علينا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: عُرضتْ عليَّ البارحةُ الأنبياء بأُممهم، فَجعل يمرّ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرجل، وَالنَّبِيّ مَعَه الرّجلَانِ، وَالنَّبِيّ مَعَه الرَّهْط، وَالنَّبِيّ لَيْسَ مَعَه أحدٌ، وَرَأَيْتُ سوادًا كثيرًا سدَّ الْأُفق.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذا الطَّرِيق ممتلئة بِالرِّجَالِ، فرجوتُ أن يكون أمَّتي، فَقلتُ: هَذِه أُمَّتي؟ فَقيل: هَذَا مُوسَى فِي بني إسرائيل، وَلَكِن انْظُر هَكَذَا وَهَكَذَا. فَرَأَيْتُ سوادًا كثيرًا قد سدَّ الأُفق، فَقيل: هَؤُلَاءِ أمتك، وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخلُونَ الْجنَّةَ بِغَيْر حِسَابٍ، فَتفرَّق النَّاسُ، وَلم يتَبَيَّن لَهُم، فَتَذَاكَرَ أصحابُ النَّبِي ﷺ فَقَالُوا: أما نَحن فولدنا فِي الشِّرك، وَلَكنَّا آمنا بِاللَّه وَرَسُوله، وَلَكِن هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا. فَبلغ النَّبِيّ ﷺ فَقَالَ: هم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرقونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وعَلى رَبِّهم يَتَوَكَّلُونَ، فَقَامَ عكاشةُ بن محصن فَقَالَ: أمنهم أنا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، فَقَامَ آخرُ فَقَالَ: أمنهم أنا؟ فَقَالَ: سَبَقَك بهَا عكاشة.
وَلِهَذَا كَانَ إجماعُ هَذِه الأُمة حُجَّة؛ لِأَنَّ الله قد أخبر أنَّهم يأمرون بِكُل مَعْرُوفٍ، وَينْهَوْنَ عَن كل مُنكرٍ، فَلَو اتَّفقُوا على إباحة محرَّمٍ، أو إسقاط وَاجِبٍ، أو تَحْرِيم حَلَالٍ، أو إخبار عَن الله أو خلقه بباطلٍ؛ لكانوا متَّصفين بالأمر بمنكرٍ، وَالنَّهْي عَن مَعْرُوفٍ، والأمر بالمنكر، وَالنَّهْي عَن الْمَعْرُوف لَيْسَ من الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح، بل الآية تَقْتَضِي أنَّ مَا لم تَأمر بِهِ الْأُمَّة فَلَيْسَ من الْمَعْرُوف، وَمَا لم تنهَ عَنهُ فَلَيْسَ من الْمُنكر، وإذا كَانَت آمرةً بِكُل مَعْرُوفٍ، ناهيةً عَن كل مُنكرٍ، فَكيف يجوز أن تَأمُر كلهَا بمنكرٍ، أو تنهى كلهَا عَن مَعْرُوفٍ؟
الشيخ: إجماع الأُمَّة يكون حُجَّةً على مَن خالفهم؛ لأنهم إذا أجمعوا فهم لا يُجمعون على منكرٍ، ولا على ترك معروفٍ؛ لأنَّ الله قال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فلا يجوز أن يجمعوا على ترك معروفٍ، أو فعل منكرٍ؛ لأنهم إذا أجمعوا زالت عنهم هذه الصِّفة التي أخبر اللهُ عنهم بها.
ويُستدلّ على ذلك أيضًا بقوله ﷺ: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ منصورة، لا يضرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، فإذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة، وصار إجماعهم حُجَّة؛ ولهذا أجمع العلماءُ -علماء الإسلام- على أنَّ الإجماعَ حُجَّة، كما أنَّ الكتابَ حُجَّة، والسنة حُجَّة، فالإجماع المنضبط هو إجماع سلف الأمة من الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ إذ بعدهم انتشرت الأُمَّة، وتوزعت البلاد، فتعذر الوقوف على إجماعهم، فما أجمع عليه سلفُ الأمة فهو الحقّ، ولا بدَّ أن يكون على نصٍّ.
وَالله كَمَا أخبر بِأَنَّهَا تَأمُر بِالْمَعْرُوفِ، وتنهى عَن الْمُنكر، فقد أوجب ذَلِك على الْكِفَايَة مِنْهَا بقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
وإذا أخبر بِوُقُوع الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المنكر منها لم يكن من شَرط ذَلِك أن يصل أمْرُ الآمر وَنهيُ النَّاهي مِنْهَا إلى كل مُكَلَّفٍ فِي الْعَالم؛ إذ لَيْسَ هَذَا من شَرط تَبْلِيغ الرِّسَالَة، فَكيف يُشْتَرط فِيمَا هُوَ من توابعها؟ بل الشَّرْط أن يتَمَكَّن المكلَّفون من وُصُول ذَلِك إليهم، ثمَّ إذا فرَّطوا فَلم يسعوا فِي وُصُوله إليهم مَعَ قيام فَاعله بِمَا يجب عَلَيْهِ كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُم لَا مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ وجوب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، لَا يجب على كلِّ أحدٍ بِعَيْنِه، بل هُوَ على الْكِفَايَة، كَمَا دلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَلما كَانَ الْجِهَادُ من تَمام ذَلِك.
الشيخ: هو على الكفاية ما لم يختصّ إنسانٌ بشيءٍ لا يُشاركه فيه غيره، فيكون على العين، كما قال ﷺ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده الحديث، فإذا رآه جماعةٌ صار فرضًا عليهم فرض كفايةٍ، وإذا ما رآه إلا واحدٌ صار فرض عينٍ عليه؛ لأنه ما هناك غيره، فهو فرض كفايةٍ في الجملة إذا لم ينفرد به أحدٌ، وإذا انفرد به أحدٌ دون غيره ورآه دون غيره تعين عليه مع القُدرة بيده، ثم لسانه، ثم قلبه، فلو كان في طريقٍ، أو في سفرٍ، أو في طائرةٍ، أو في قطارٍ، أو سيارةٍ، ليس فيهم إلا مسلم واحد تعين عليه التَّبليغ عن الله، وإنكار المنكر، المقصود أنه إذا انفرد تعين عليه، وإذا كان معه غيره صار فرض كفايةٍ.
وَلما كَانَ الْجِهَادُ من تَمام ذَلِك كَانَ الْجِهَادُ أيضًا كَذَلِك، فَإِذا لم يقم بِهِ مَن يقوم بواجبه أثم كل قَادرٍ بِحَسب قُدرته، إذ هُوَ وَاجِبٌ على كل إنسانٍ بِحَسب قُدرته.
كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ: مَن رأى مِنْكُم مُنْكرًا فليُغيره بِيَدِهِ، فَإِن لم يَسْتَطع فبلسانه، فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه، وَذَلِكَ أضعف الإيمان.
وإذا كَانَ كَذَلِك فمعلومٌ أنَّ الأمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وإتمامه بِالْجِهَادِ؛ هُوَ من أعظم الْمَعْرُوف الَّذِي أُمرنا بِهِ، وَمن النَّهْي عَن الْمُنكر إقامة الْحُدُود على مَن خرج من شَرِيعَة الله.
وَيجب على أولي الأمر -وهم عُلَمَاء كل طَائِفَةٍ وأُمراؤها ومشايخها- أن يقومُوا على عامَّتهم، ويأمروهم بِالْمَعْرُوفِ، وينهوهم عَن الْمُنكر، فيأمرونهم بِمَا أمر الله بِهِ وَرَسُوله، مثل: شرائع الإسلام، وَهِي الصَّلَوَات الْخَمْس.
الشيخ: أولي الأمر تنازع فيهم الناس: فقال قومٌ: إنَّهم الأمراء. وقال قومٌ: إنَّهم العُلماء. والصواب أنهم المجموعة: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، المجموعة: العلماء والأمراء، ومَن في حكمهم: كالمشايخ -مشايخ القبائل- كما قال المؤلف؛ لأنَّ شيخ القبيلة أميرٌ في المعنى، هو أميرهم، فيمتثلون أمره، وقد يكون امتثالهم لأمره أعظم من امتثالهم للأمير الرسمي، فواجبٌ عليه أن يأمرهم بالمعروف، وأن ينهاهم عن المنكر.
كما يجب على ولاة الأمور تنفيذ الحدود وإقامتها، وإقامة أمر الله، وإقامة الجهاد عند هجوم العدو؛ حتى يقوم الناس ويردعوا الباطل، وإذا لم يقم هؤلاء فمَن يقوم؟ هؤلاء هم الأسوة، وهم القادة: الأمير والعالم وشيخ القبيلة، وهكذا مَن في حكمهم في بعض البلاد: كعُمدة القرية، أو عمدة الحارة، عليه من الواجب ما ليس على غيره؛ لأنه مسندٌ إليه الأمر، وهو عنده نوع إمارةٍ في محله، فعليه من الواجب ما ليس على أفراد العامَّة.
فيأمرونهم بِمَا أمر الله بِهِ وَرَسُوله، مثل: شرائع الإسلام، وَهِي الصَّلَوَات الْخمس فِي مواقيتها، وَكَذَلِكَ الصَّدقَات الْمَشْرُوعَة، وَالصَّوْم الْمَشْرُوع، وَحجّ الْبَيْت الْحَرَام. وَمثل: الإيمان بِاللَّه، وَمَلَائِكَته، وَكتبه، وَرُسُله، وَالْيَوْم الآخر، والإيمان بِالْقَدرِ: خَيره وشرّه. وَمثل: الإحسان، وَهُوَ أن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ، فَإِن لم تكن ترَاهُ فإنه يراك.
وَمثلمَا أمر الله بِهِ وَرَسُوله من الأمور الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، وَمثل: إخلاص الدّين لله، والتوكل على الله، وأن يكون الله وَرَسُوله أحبَّ إليه مِمَّا سواهُمَا، والرَّجاء لرحمة الله، والخشية من عَذَابه، وَالصَّبْر لحكم الله، وَالتَّسْلِيم لأمر الله.
وَمثل: صدق الحَدِيث، وَالْوَفَاء بالعهود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وبرّ الْوَالِدين، وصلَة الأرحام، والتَّعاون على الْبرِّ وَالتَّقوى، والإحسان إلى الْجَار، واليتيم، والمسكين، وَابْن السَّبِيل، والصَّاحب، وَالزَّوْجَة، والمملوك، وَالْعَدْل فِي الْمقَال والفِعال، ثمَّ النَّدب إلى مَكَارِم الأخلاق، مثل: أن تصل مَن قَطعك، وتُعطي مَن حَرمك، وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك.
وَمن الأمر بِالْمَعْرُوفِ كَذَلِك الأمر بالائتلاف والاجتماع، وَالنَّهْي عَن الِاخْتِلَاف والفُرقة، وَغير ذَلِك.
