الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

الشعار
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات
خميس ٢٠ / جمادى ٢ / ١٤٤٧
المفضلة
Brand
  • الرئيسية
  • فتاوى
    • مجموع الفتاوى
    • نور على الدرب
    • فتاوى الدروس
    • فتاوى الجامع الكبير
  • صوتيات
    • دروس و محاضرات
    • شروح الكتب
  • مرئيات
    • مقاطع مختارة
    • مرئيات الشيخ
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • سلة التسوق
  • المفضلة
  • حمل تطبيق الشيخ على الهواتف الذكية
  • أندرويد
    آيفون / آيباد
  • فتاوى
  • صوتيات
  • كتب
  • مقالات
  • لقاءات
  • مراسلات
  • مرئيات

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

Download on the App StoreGet it on Google Play

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ

BinBaz Logo

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

جميع الحقوق محفوظة والنقل متاح لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

تطوير مجموعة زاد
  1. المقالات
  2. التقوى سبب كل خير

التقوى سبب كل خير

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم القيامة، أما بعد:
من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة

فلشدة الحاجة إلى التقوى ولعظم شأنها، ولكون كل واحد منا، بل كل واحد من المسلمين في أشد الحاجة إلى التقوى والاستقامة عليها، رأيت أن أكتب فيها كلمة موجزة عسى الله أن ينفع بها المسلمين فأقول: كل من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة.
فأنت يا عبد الله إذا قرأت كتاب ربك من أوله إلى آخره، تجد التقوى رأس كل خير، ومفتاح كل خير، وسبب كل خير في الدنيا والآخرة، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر في الدنيا والآخرة. 
ولنذكر في هذا آيات من كتاب الله، ترشد إلى ما ذكرنا، من ذلك قوله جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] قال بعض السلف: هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال: من أجمع آية في كتاب الله، وما ذاك إلا لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة، فمن اتقى الله جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة، والإنسان في أشد الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة، ولكنه في الآخرة أشد حاجة وأعظم ضرورة، وأعظم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة، وشدائدها، فمن اتقى الله في هذه الدار فرج الله عنه كربات يوم القيامة، وفاز بالسعادة والنجاة في ذلك اليوم العظيم العصيب، فمن وقع في كربة من الكربات فعليه أن يتقي الله في جميع الأمور، حتى يفوز بالفرج والتيسير، فالتقوى باب لتفريج كربة العسر وكربة الفقر وكربة الظلم وكربة الجهل وكربة السيئات والمعاصي وكربة الشرك والكفر إلى غير ذلك، فدواء هذه الأمور وغيرها أن يتقي الله بترك الأمور التي حرمها الله ورسوله، وبالتعلم والتفقه في الدين حتى يسلم من داء الجهل، وبالحذر من المعاصي والسيئات حتى يسلم من عواقبها في الدنيا والآخرة. 
فالسيئات لها عواقب في الدنيا من عقوبات قدرية، أو عقوبات شرعية، من الحدود والتعزيرات والقصاص، ولها عقوبات في الآخرة، أولها عذاب القبر، ثم بعد الخروج من المقابر بعد البعث والنشور عقوبات وشدائد يوم القيامة، ومن عقوباتها أيضا أن الإنسان يخف ميزانه بسبب إضاعة التقوى ويرجح ميزانه بسبب استقامته على التقوى، ويعطى كتابه بيمينه إذا استقام على التقوى، وبشماله إذا انحرف عن التقوى، ويدعى إلى الجنة إذا استقام على التقوى، ويساق إلى النار إذا ضيع التقوى، وخالف التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والإنسان محتاج أيضا إلى الرزق الحلال الطيب في هذه الدار، وإلى النعيم المقيم في الآخرة، وهو أحسن نعيم وأعظم النعيم ولا نعيم فوقه، ولا طريق إلى ذلك ولا سبيل إلا بالتقوى، فمن أراد عز الدنيا والرزق الحلال فيها، والنعيم في الآخرة، فعليه بالتقوى.
والإنسان محتاج إلى العلم، والبصيرة والهدى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29] والفرقان كما قال أهل العلم: هو: النور الذي يفصل به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.
الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان. فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالح
ولا يخفى على من تأمل أن الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان. فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالح كما قال الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8] وكما قال عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فالتقوى حقيقتها إيمان صادق بالله ورسوله، وبما أخبرت به الرسل عما كان وعما يكون، ثم عمل صالح وهو مقتضى الإيمان وموجبه، ومن ذلك التعلم والتفقه في الدين وهما من التقوى كما تقدم ولذلك رتب الله على التقوى الفرقان، لأن من شعبها التعلم والتفقه في الدين والتبصر في ما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فالإنسان قد تضيق أمامه الدروب وتسد في وجهه الأبواب في بعض حاجاته، فالتقوى هي المفتاح لهذه المضائق وهي سبب التيسير لها، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وقد جرب سلفنا الصالح وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، كما جرب قبلهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله لهداية البشر، وحصلوا بالتقوى على كل خير، وفتحوا بها باب السعادة وانتصروا بها على الأعداء، وفتحوا بها القلوب، وهدوا بها البشرية إلى الصراط المستقيم.
وإنما حصلت لهم القيادة للأمم والذكر الجميل والفتوحات المتتابعة بسبب تقواهم لله، وقيامهم بأمره، وانتصارهم لدينه، وجمع كلمتهم على توحيده وطاعته، كما أن الناس في أشد الحاجة إلى تكفير السيئات وحط الخطايا وغفران الذنوب وسبيل هذا هو التقوى، كما قال عز وجل: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29] وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] ومن أعظم الأجر الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا المسلمون في أشد الحاجة إلى النصر على أعدائهم والسلامة من مكايد الأعداء ولا سبيل إلى هذا إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]. 
فالمسلمون إذا صبروا في طاعة الله وفي جهاد أعدائه واتقوا ربهم في ذلك بإعداد العدة المستطاعة: البدنية والمالية والزراعية والسلاحية وغير ذلك، نصروا على عدوهم. لأن هذا كله من تقوى الله، ومن أهم ذلك إعداد العدة المستطاعة من جميع الوجوه، كالتدريب البدني والمهني والتدريب على أنواع الأسلحة، ومن ذلك إعداد المال وتشجيع الزراعة والصناعة وغير ذلك مما يستعان به على الجهاد، والاستغناء عما لدى الأعداء، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ولا يتم ذلك إلا بالصبر.
والصبر من أعظم شعب التقوى وعطفها عليه في قوله سبحانه: وَإِنْْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:120] من عطف العام على الخاص، فلابد من صبر في جهاد الأعداء، ولابد من صبر في الرباط في الثغور، ولابد من صبر في إعداد المستطاع من الزاد والبدن القوي المدرب، كما أنه لابد من الصبر في إعداد الأسلحة المستطاعة التي تماثل سلاح العدو أو تفوقه حسب الإمكان، ومع هذا الصبر لابد من تقوى الله في أداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده والانكسار بين يديه والإيمان بأنه الناصر وأن النصر من عنده لا بكثرة الجنود ولا بكثرة العدة ولا بغير ذلك من أنواع الأسباب، وإنما النصر من عنده سبحانه وإنما جعل الأسباب لتطمين القلوب وتبشيرها بأسباب النصر، كما قال جل وعلا: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] الآية وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40، 41] الآية.
وهذه الأعمال من شعب التقوى، وبهذا يعلم معنى قوله سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] فإذا أراد المسلمون النصر والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة وتفريج الكروب وتيسير الأمور وغفران الذنوب وتكفير السيئات والفوز بالجنات إلى غير هذا من وجوه الخير فعليهم بتقوى الله عز وجل، والله وصف أهل الجنة بالتقوى فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات:15] وقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] فبين سبحانه أنه أعد الجنة لأهل التقوى، فعلمت يا أخي أنك في أشد الحاجة إلى أن تتقي ربك، ومتى اتقيته سبحانه حق التقوى فزت بكل خير ونجوت من كل شر، وليس المعنى أنك لا تبتلى، بل قد تبتلى وتمتحن، وقد ابتلي الرسل وهم أفضل الخلق وأفضل المتقين حتى يتبين للناس صبرهم وشكرهم وليقتدي بهم في ذلك، فبالابتلاء يتبين صبر العبد وشكره ونجاته وقوته في دين الله عز وجل، كما قال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]
وقال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] فلا بد من الامتحان والفتنة كما تقدم، وكما قال جل وعلا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] وقال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] وقال سبحانه: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] فالاختبار لابد منه، فالرسل وهم خير الناس امتحنوا بأعداء الله. نوح ما جرى عليه من قومه وهكذا هود وصالح وغيرهم وعلى رأسهم نبينا محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين وأفضل المجاهدين ورسول رب العالمين، قد علم ما أصابه بمكة وفي المدينة وفي الحروب، ولكنه صبر صبرا عظيما حتى أظهره الله على أعدائه وخصومه، ثم ختم له سبحانه وتعالى بأن فتح عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما أتم الله النعمة عليه وعلى أمته وأكمل لهم الدين اختاره إلى الرفيق الأعلى وإلى جواره عليه الصلاة والسلام بعد المحنة العظيمة والصبر العظيم والبلاء الشديد، فكيف يطمع أحد بعد ذلك أن يسلم أو يقول متى كنت متقيا أو مؤمنا فلا يصيبني شيء ليس الأمر كذلك بل لابد من الامتحان، ومن صبر حمد العاقبة، كما قال الله جل وعلا: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] فالعاقبة الحميدة لأهل التقوى، متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا أعداءه وجاهدوا هذه النفوس، فالعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فأنت يا عبد الله في أشد الحاجة إلى تقوى ربك ولزومها والاستقامة عليها ولو جرى ما جرى من الامتحان، ولو أصابك ما أصابك من الأذى أو الاستهزاء من أعداء الله، أو من الفسقة والمجرمين فلا تبالي، واذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام، واذكر أتباعهم بإحسان، فقد أوذوا واستهزئ بهم وسخر بهم ولكنهم صبروا فكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
فأنت يا أخي كذلك اصبر وصابر فإن قلت ما هي التقوى؟ فقد سبق لك شيء من بيانها، وقد تنوعت عبارات العلماء في التقوى، وروي عن عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رضي الله عنه ورحمه أنه قال: (ليس تقوى الله بقيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء فرائض الله وترك محارمه، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير) ا. هـ. فمن رزق بعد أداء الفرائض وترك المحارم نشاطا في فعل النوافل وترك المكروهات والمشتبهات فهو خير إلى خير.
وقال طلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله: (تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله) وقال بعضهم في تفسيرها التقوى طاعة الله ورسوله، وقال آخرون: التقوى: أن تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وقاية تقيك ذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وكل هذه العبارات معانيها صحيحة.
فالتقوى حقيقتها هي: دين الإسلام، وهي: الإيمان والعمل الصالح، وهي: العلم النافع والعمل به، وهي: الصراط المستقيم، وهي: الاستسلام لله والانقياد له جل وعلا بفعل الأوامر، وترك النواهي عن إخلاص كامل له سبحانه وعن إيمانه به ورسله، وعن إيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، إيمانا صادقا يثمر أداء الخير والحذر من الشر والوقوف عند الحدود، وإنما سمى الله دينه تقوى لأنه يقي من استقام عليه عذاب الله وغضبه، ويحسن لربه العاقبة جل وعلا، وسمى هذا الدين إسلاما، لأن المسلم. يسلم نفسه لله وينقاد لأمره، يقال أسلم فلان لفلان أي انقاد له، ولهذا سمى الله دينه إسلاما في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وغيرها من الآيات، لأن المسلم انقاد لأمر الله وذل لعظمته، فالمسلم حقا ينقاد لأمر الله، ويبتعد عن نهيه ويقف عند حدوده، قد أعطى القيادة لربه فهو عبد مأمور، رضاه وأنسه ومحبته ونعيمه في امتثال أمر الله وترك نهيه، هذا هو المسلم الحق.
ولهذا قيل له مسلم، يعني منقادا لأمر الله تاركا لمحارمه واقفا عند حدوده، يعلم أنه عبد مأمور عليه الامتثال، ولهذا سمي الدين عبادة كما سمي إسلاما، سمي عبادة كما في قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وفي قوله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فسمي عبادة. لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار، وعن اعتراف بالعبودية وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وأنه العالم بأحوالهم وأنه المدبر لشؤونهم، فهم عبيد مأمورون ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة؛ لأن العبادة عند العرب هي: التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام.
 ويقولون أيضا: بعير معبد، يعني قد شد ورحل حتى ذل للركوب والشد عليه، فسميت طاعاتنا لله عباده؛ لأننا نؤديها بالذل والخضوع لله جل وعلا، وسمي العبد عبدا، لأنه ذليل بين يدي الله مقهور مربوب للذي خلقه وأوجده، وهو المتصرف فيه سبحانه وتعالى. وسمي هذا الدين أيضا إيمانا؛ لأن العباد يؤدونه عن إيمان بالله وتصديق به ورسله، فلهذا سمي دين الله إيمانا لهذا المعنى كما في الحديث الصحيح من قول النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم، فبين عليه الصلاة والسلام أن الدين كله إيمان وأن أعلاه قول لا إله إلا الله، فعلمنا بذلك أن الدين كله عند الله إيمان، ولهذا قال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] فسماهم بذلك، لأنك أيها المؤمن بالله واليوم الآخر تؤدي أعمالك وطاعتك وتترك المحارم عن إيمان وتصديق بأن الله أمرك بذلك ونهاك عن المحارم وأنه يرضى منك هذا العمل ويثيبك عليه وأنه ربك ولم يغفل عنك وأنت تؤمن بهذا، ولهذا فعلت ما فعلت فأديت الفرائض وتركت المحارم ووقفت عند الحدود وجاهدت نفسك لله عز وجل.
سُمِّي الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمالوسمى الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال
سُمِّي الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال، وسمى الدين برًّا؛ لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال، لأن الله بعث نبيه ﷺ ليكمل مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إنما بعثت لأتممم مكارم الأخلاق وفي حديث أنيس أخي أبي ذر قال: سمعت رسول الله ﷺ يدعو إلى مكارم الأخلاق فهذا الدين سمي هدى، لأنه يهدي من استقام عليه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما قال عز وجل: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] وقال في أهله: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:5] وقال في أهله أيضا: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] وبهذا تعلم يا أخي معنى هذه الألفاظ (الإسلام)، (الإيمان) (التقوى)، (الهدى) (البر): العبادة، إلى غير ذلك. وتعلم أيضا أن هذا الدين الإسلامي قد جمع الخير كله فمن استقام عليه وحافظ عليه وأدى حقه وجاهد نفسه بذلك فهو متق لله، وهو موعود بالجنة والكرامة، وهو موعود بتفريج الكروب وتيسير الأمور، وهو الموعود بغفران الذنوب وحط الخطايا، وهو الموعود بالنصر على الأعداء والسلامة من مكائدهم إذا استقام على دين الله وصبر عليه وجاهد نفسه لله وأدى حق الله وحق عباده، فهذا هو المتقي وهو المؤمن، وهو البر، وهو المفلح، وهو المهتدي والصالح، وهو المتقي لله عز وجل، وهو المسلم الحق.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين للتقوى، وأن يأخذ بأيدينا جميعا لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين ومن حزبه المفلحين، وأن يمن علينا بالاستقامة على تقواه في كل أقوالنا وأعمالنا والدعوة إلى ذلك والصبر عليه إنه سبحانه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].

  1. نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد الثاني السنة التاسعة ذو الحجة سنة ١٣٩٦ هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 283).
أضف للمفضلة
شارك على فيسبوكشارك على غوغل بلسShare via Email
مجموع الفتاوى
مسيرة عطاء
banner
  إحصائيات المواد
  عن الموقع
التصنيفات
  • الفقهية
  • الموضوعية
  • العبادات
    • الطهارة
      • المياه
      • الآنية
      • قضاء الحاجة
      • سنن الفطرة
      • فروض الوضوء وصفته
      • نواقض الوضوء
      • ما يشرع له الوضوء
      • المسح على الخفين
      • الغسل
      • التيمم
      • النجاسات وإزالتها
      • الحيض والنفاس
      • مس المصحف
    • الصلاة
      • حكم الصلاة وأهميتها
      • الأذان والإقامة
      • وقت الصلاة
      • الطهارة لصحة الصلاة
      • ستر العورة للمصلي
      • استقبال القبلة
      • القيام في الصلاة
      • التكبير والاستفتاح
      • القراءة في الصلاة
      • الركوع والسجود
      • التشهد والتسليم
      • سنن الصلاة
      • مكروهات الصلاة
      • مبطلات الصلاة
      • قضاء الفوائت
      • سجود السهو
      • سجود التلاوة والشكر
      • صلاة التطوع
      • أوقات النهي
      • صلاة الجماعة
      • صلاة المريض
        • صلاة المسافر
      • صلاة الخوف
      • أحكام الجمع
      • صلاة الجمعة
      • صلاة العيدين
      • صلاة الخسوف
      • صلاة الاستسقاء
      • المساجد ومواضع السجود
      • مسائل متفرقة في الصلاة
      • الطمأنينة والخشوع
      • سترة المصلي
      • النية في الصلاة
      • القنوت في الصلاة
      • اللفظ والحركة في الصلاة
      • الوتر وقيام الليل
    • الجنائز
      • غسل الميت وتجهيزه
      • الصلاة على الميت
      • حمل الميت ودفنه
      • زيارة القبور
      • إهداء القرب للميت
      • حرمة الأموات
      • أحكام التعزية
      • مسائل متفرقة في الجنائز
      • الاحتضار وتلقين الميت
      • أحكام المقابر
      • النياحة على الميت
    • الزكاة
      • وجوب الزكاة وأهميتها
      • زكاة بهيمة الأنعام
      • زكاة الحبوب والثمار
      • زكاة النقدين
      • زكاة عروض التجارة
      • زكاة الفطر
      • إخراج الزكاة وأهلها
      • صدقة التطوع
      • مسائل متفرقة في الزكاة
    • الصيام
      • فضائل رمضان
      • ما لا يفسد الصيام
      • رؤيا الهلال
      • من يجب عليه الصوم
      • الأعذار المبيحة للفطر
      • النية في الصيام
      • مفسدات الصيام
      • الجماع في نهار رمضان
      • مستحبات الصيام
      • قضاء الصيام
      • صيام التطوع
      • الاعتكاف وليلة القدر
      • مسائل متفرقة في الصيام
    • الحج والعمرة
      • فضائل الحج والعمرة
      • حكم الحج والعمرة
      • شروط الحج
      • الإحرام
      • محظورات الإحرام
      • الفدية وجزاء الصيد
      • صيد الحرم
      • النيابة في الحج
      • المبيت بمنى
      • الوقوف بعرفة
      • المبيت بمزدلفة
      • الطواف بالبيت
      • السعي
      • رمي الجمار
      • الإحصار
      • الهدي والأضاحي
      • مسائل متفرقة في الحج والعمرة
      • المواقيت
      • التحلل
    • الجهاد والسير
  • المعاملات
    • الربا والصرف
    • البيوع
    • السبق والمسابقات
    • السلف والقرض
    • الرهن
    • الإفلاس والحجر
    • الصلح
    • الحوالة
    • الضمان والكفالة
    • الشركة
    • الوكالة
    • العارية
    • الغصب
    • الشفعة
    • المساقاة والمزارعة
    • الإجارة
    • إحياء الموات
    • الوقف
    • الهبة والعطية
    • اللقطة واللقيط
    • الوصايا
    • الفرائض
    • الوديعة
    • الكسب المحرم
  • فقه الأسرة
    • الزواج وأحكامه
      • حكم الزواج وأهميته
      • شروط وأركان الزواج
      • الخِطْبَة والاختيار
      • الأنكحة المحرمة
      • المحرمات من النساء
      • الشروط والعيوب في النكاح
      • نكاح الكفار
      • الصداق
      • الزفاف ووليمة العرس
      • الحقوق الزوجية
      • مسائل متفرقة في النكاح
      • أحكام المولود
      • تعدد الزوجات
      • تنظيم الحمل وموانعه
      • مبطلات النكاح
      • غياب وفقدان الزوج
    • النظر والخلوة والاختلاط
    • الخلع
    • الطلاق
    • الرجعة
    • الإيلاء
    • الظهار
    • اللعان
    • العِدَد
    • الرضاع
    • النفقات
    • الحضانة
  • العادات
    • الأطعمة والأشربة
    • الذكاة والصيد
    • اللباس والزينة
    • الطب والتداوي
    • الصور والتصوير
  • الجنايات والحدود
  • الأيمان والنذور
  • القضاء والشهادات
  • السياسة الشرعية
  • مسائل فقهية متفرقة
  • القرآن وعلومه
  • العقيدة
    • الإسلام والإيمان
    • الأسماء والصفات
    • الربوبية والألوهية
    • نواقض الإسلام
    • مسائل متفرقة في العقيدة
    • التوسل والشفاعة
    • السحر والكهانة
    • علامات الساعة
    • عذاب القبر ونعيمه
    • اليوم الآخر
    • ضوابط التكفير
    • القضاء والقدر
    • التبرك وأنواعه
    • التشاؤم والتطير
    • الحلف بغير الله
    • الرقى والتمائم
    • الرياء والسمعة
  • الحديث وعلومه
    • مصطلح الحديث
    • شروح الحديث
    • الحكم على الأحاديث
  • التفسير
  • الدعوة والدعاة
  • الفرق والمذاهب
  • البدع والمحدثات
  • أصول الفقه
  • العالم والمتعلم
  • الآداب والأخلاق
  • الآداب والأخلاق المحمودة
  • الأخلاق المذمومة
  • الفضائل
    • فضائل الأعمال
    • فضائل الأزمنة والأمكنة
    • فضائل متنوعة
  • الرقائق
  • الأدعية والأذكار
  • التاريخ والسيرة
  • قضايا معاصرة
  • قضايا المرأة
  • اللغة العربية
  • نصائح وتوجيهات
  • تربية الأولاد
  • الشعر والأغاني
  • أحكام الموظفين
  • أحكام الحيوان
  • بر الوالدين
  • المشكلات الزوجية
  • قضايا الشباب
  • نوازل معاصرة
  • الرؤى والمنامات
  • ردود وتعقيبات
  • الهجرة والابتعاث
  • الوسواس بأنواعه